للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف الناس أيضًا في الجماعة تسرق ما قيمته ثلاثة دراهم، أو عشرة على مذهب أهل العراق، فقالوا: لا قطع عليهم حتى يكون مقدار ما أخذوه ما يلزم كل إنسان ما تقطع فيه اليد (١).

وقال المالكيون: يقطعون، لأن ما دون المقدار هو التافه، والقطع إنما هو في المقدار والحِرْز، فإذا كان المقدار لا يستقل به الواحد ولا يقدر عليه إلا بآخر قُطعا جميعًا (٢)، وألزموا العراقي والشافعي ذلك بالاتفاق أنهم يقتلون الجماعة بالواحد، وليس كل واحد منفرد بإماتة (٣) النفس، كما ليس كل واحد منفرد بإخراج السلعة التي قيمتها ثلاثة دراهم.

وألزموا الشافعي أن يقول ذلك لقوله في مائة نفر مَلَكوا مائتي درهم لكل واحد درهمان: أنهم يزكون، وهذا من أقبح ما قيل، لأن اللَّه ورسوله أوجبا الزكاة على الأغنياء للفقراء، والفقير الذي يُعطى يملك أضعاف ما يملك المزكي، فقد صارت الزكاة بقوله تؤخذ من الفقير وتعطى الغني، ويمنع من القطع الذي هو جزاء على الفعل في المقدار، وعلى المعصية فيه.

ويجوز أيضًا أن يحتج المالكي في ذلك بظاهر القرآن، أن اللَّه تبارك وتعالى قرن اثنين في القطع بقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}، فأمر بقطع اثنين في سرقة، ثم قدرها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ربع دينار، فقطعناهما إذا اجتمعا وإذا انفردا في ذلك المقدار، وإذا رجب قطع اثنين في الربع رجب في أكثر من ذلك، لقتلنا الجماعة بالواحد، واللَّه أعلم.

٣٥ - نا زكريا بن يحيى الساجي، قال: نا القاسم بن إسحاق الأنصاري، قال: نا أبي، قال: نا عبد اللَّه بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير، عن


(١) هو مذهب الشافعي وأبي حنيفة.
(٢) النوادر والزيادات (١٤/ ٣٩٠ - ٣٩١).
(٣) في الأصل: بإماتت.

<<  <  ج: ص:  >  >>