للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى مالك -رضي اللَّه عنه- (١)، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عمرة، عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: وجد في قائم سيف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كتاب أن "أشد الناس غلوًا (٢) رجل ضرب غير ضاربه، ورجل قتل غير قاتله، ورجل تولى غير أهل نعمته، والمؤمنون تكافأ (٣) دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ولا يُقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده" (٤).

وطرق هذه الأحاديث كثيرة.

واحتج بعض أصحاب أبي حنيفة لأبي حنيفة في هذا الحديث بأنه لو كان صحيحًا لكان: "لا يقتل مؤمن بكافر ولا بذي عهد في عهده"، وهذا الذي قاله خطأ فاحش، لأن اللَّه عز وجل قال: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} إلى قوله: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٧٩ - ٢٨٠]، فلو كان عطفًا لكان وإن كان ذا عسرة، ولكنه ابتداء كلام، قال: وإن وقع ذو عسرة فنظرة، كذلك قيل مبتدأ: ولا تقتلوا ذا العهد في عهده، فكان الكلام: ولا يُقتل ذو العهد في عهده، لأنه لو قيل: لا يقتل مؤمن بكافر، ولا بذي عهد في عهده، لأوجب الكلام أن ذي العهد ليس بكافر، وجعل هذا الرجلُ قوله: لا يقتل مؤمن بكافر حربي (٥)، وكيف يجوز أن يقال: لا يقتل مؤمن بكافر حربي (٦)، وقد أمر اللَّه تبارك وتعالى بقتلهم وحث عليه، وجعله من أفضل


(١) مالك هذا ليس الإمام ابن أنس، وإنما هو مالك بن محمد بن عبد الرحمن كما عند الدارقطني، يرويه عن عمرة مباشرة.
(٢) في الأصل: غلو، وفي مصادر التخريج: عتوًّا.
(٣) كذا في الأصل، ولعلها: تتكافؤ.
(٤) رواه الدارقطني في سننه برقم ٣٢٤٩، كتاب: الحدود والديات وغيره (ت الأرناؤوط)، والبيهقي في الكبرى برقم ١٥٨٩٦، كتاب: الجراح، باب: إيجاد القصاص على القاتل.
(٥) في الأصل: حر، وما أثبته هو المناسب للسياق.
(٦) في الأصل: حرفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>