للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعمال وأحبِّها إليه؟ فهل يجوز أن يتوهم متوهم أن اللَّه أمر بقتلهم، فيحتاج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يبين لنا أنه لا قَوَد بيننا وبينهم؟

وإنما معنى الكلام: لا يقتل مؤمن بكافر أصلًا، ثم قيل بعد تمام الكلام: "ولا ذو عهد في عهده"، عطفًا على لا يقتل، لأن هذا الذي أضمر لو أظهر فقيل: لا يقتل مؤمن بكافر، ولا يقتل ذو عهد في عهده، ولو أفرد قيل: لا يقتل ذو عهد، ولم يكن قبله كلام لكان مستقيمًا.

وإنما قيل ذلك لما رفع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- القَوَد بين المسلمين والكافرين، ولم يؤمن من جرأة من سَفُهَ حُلُمه على قتل أهل العهد، فاتبعهم بأن قال: "ولا يقتل ذو العهد في عهده"، فنُهوا عن قتل ذي العهد من أهل الذمة، وممن دخل بأمان لأنهما جميعًا بالعهد في دارنا.

فإن قيل: إن [أهل] (١) الذمة قد عُلم أن دماءهم محرمة في عهدهم.

قيل: إنما علم لأنهم عُلِّمُوه، ولما خيف من أمر المَقود أن يُقدم على قتل من لا يُقاد به سرح فنهاه (٢) عن ذلك، لأن اللَّه تبارك وتعالى قال: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩]، فعلم القاتل أنه يُقتل فكفَّ فحَيِيا جميعًا، ولذلك نزلت الآية، فلما أزيل القَوَد عن قاتل ذي العهد وهو الذمي، نُهوا عن قتله ليوجب النهي عقوبة تردع عن ذلك، واللَّه أعلم.

وأكثر الأحاديث التي جاءت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- "لا يُقتل مؤمن بكافر"، ليس فيها ذكر ذي العهد.

ومما يدل على أن الآية في النفس بالنفس على التساوي، وأن المسلم لا يقتل بكافر، قولُه: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: ٤٥]، والذمي


(١) ساقطة من الأصل.
(٢) في الأصل: فنهيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>