للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُولِي الْقُرْبَى} [النور: ٢٢]، ولم يكن واحد (١) من هذين الرجلين كاذبًا في وقت يمينه، ولا حالفًا على كذب، فجعلت كفارة يمينه إذا فعل ما حلف عليه ما ذكر في القرآن، والذي حلف على كذب قد علمه، مخبر عن شيء قد مضى، فهو كاذب فيه حالف عليه، فكيف يشبه هذا بهذا؟

وقال الشافعي: قد أمره بالحنث إن تعمده، فشبه الشافعي هذا بالذي حلف باللَّه، فينبغي له على قوله هذا أن يبيح الحلف على الكذب ويكفِّر الحالفُ، كما يبيح من حلف أن يتعمد الحنث ويكفر، وينبغي إذ شبهه به ألا يسميه إثمًا، لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره أن يفعل، وينبغي أن تكون الكفارة التي سماها اللَّه عز وجل في كتابه، تكفر عن يمين من حلف باللَّه كاذبًا، إذ كانت الآية عنده قد عمتهما.

وقد قال اللَّه تبارك وتعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}، فجعل الكفارة تكفر اليمين، ومن كفر عنه فلا إثم عليه، فينبغي أن يكون هذا في قول الشافعي لا إثم عليه، فينسخ الشافعي عن هذه الأمة آية وعيد محكمة، ومعاذ اللَّه أن يكون قولُ مخلوق ينسخ كلام الخالق.

قال اللَّه تبارك وتعالى: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المجادلة: ١٤ - ١٥].

وروي عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه قال: كنا نعد من الذنب الذي لا كفارة له اليمينَ الغموس، أن يحلف الرجل على ما لأخيه كاذبا ليقطعه.

وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم اللَّه عليه الجنة وأوجب له النار"، وقال: "من حلف على يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي اللَّه وهو عليه غضبان"، وقال ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: وأنزل اللَّه تبارك


(١) في الأصل: واحدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>