للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حلف على شيء قد مضى، فإنما حلف على فعل كان قبل أن يحلف، فكيف يكون ذلك الفعل موجبًا للحنث؟

ويبين ذلك أيضًا ما روي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيمن حلف باللَّه واستثنى، أنه إن شاء فعل غير حرج، فعلم أن هذا للمستقبل، ووجب أن كل يمين تكون فيها الكفارة، فالاستثناء يسقطها وجميعًا لا يكون إلا في المستقبل (١)، لأن قول الرجل: إن شاء اللَّه، من باب المجازاة، والمجازاة لا تكون لما مضى، لأن المستقبل يقال فيه: افعل كذا إن شاء اللَّه، ولا يجوز: فعلت كذا إن شاء اللَّه، لأنه جهل من قائله.

قال القاضي: وإنما ذكرت هذا لتعرف مخارج الكلام.

وأما قوله: قال اللَّه: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}، وجعل فيه الكفارة، فهذا أقبح من الأول، الكفارة هنا بالعود الذي هو طاعة للَّه، والقول وحده يوجب شيئًا، فلما عاد إلى الذي هو خير قيل له كفر، ولو لم يعد لم تكن عليه كفارة، وهذا أيضًا من المستقبل الذي شبهه بالمستدبر.

وأما لغو اليمين فإن أعلى الرواية وأكثرها إنما جاء على قول الرجل: لا واللَّه، وبلى واللَّه، وهو لا يريد اليمين، فلم تكن عليه يمين لأنه لم ينوها، لأن اللغو عند العرب وأهل اللسان: ما ألغته النية، فلذلك سُمي لغوًا، قال الشاعر:

ويَهلِكُ وَسْطَها المَرَئِيُّ لغْوًا ... كما ألغَيْتَ في الدِّيَة الحُوارا (٢)

والسهو حلف الإنسان على تيقنه، لا نية له في الكذب ولا عاقدًا على مستقبل، ذلك لغو لسقوط النية عن الحال الموجبة للكفارة، لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-:


(١) كذا في الأصل، ولعلها: يسقطها جميعًا، ولا يكون إلا في المستقبل.
(٢) البيت لذي الرمة في ديوانه (٢/ ١٣٧٩)، وفيه: ويهلك بينها

<<  <  ج: ص:  >  >>