للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عباس لمن سأله، وسعيد بن جبير: اقرأ عليَّ آية في طهارة الثياب، منكِرًا لذلك.

وتأوّل الشافعي: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: ١٤] وهذا مما يدل على علمه (١) باللغة، لأن اللَّه عز وجل قال: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: ١ - ١٥] وهل يجوز أن تُجعل الثيابُ بين الأمر بالإنذار وهجر إبليس؟ وإنما هو: قلبك فطهر، وهذا أول ما نزل على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من القرآن، وبه بُعث ولا فرْضَ بعدُ، وإنما قيل له بعد: واهجر إبليس، ولربك فاصبر على ما يلحقك، يكون بين ذلك اغسل ثيابك، هذا لو قاله رجل منا لاسْتُضعف، جلَّ ربنا عن ذلك، وقال الشاعر:

وإني بحمد اللَّه لا ثوبَ فاجرٍ ... لبِستُ ولا من غَدْرَة أتَقَنَّعُ (٢)

وقال بعضهم ممن تكلف الكلام في هذه المسألة: إن لم يقدر على الماء والصعيد صلّى ولم يُعِد (٣)، وهو قول من لا يعرِف الأصول كيف وُضعت، ولو جاز هذا لكانت الحائِضُ تصلّي، وإنما سقطت الصلاة عنها لعجزها عن الطهارة، ولعل الرواية خطأٌ، وإنما فرض اللَّه السُّترة لا للصلاة لحقوق البدن، فإذا لم يقدر عليه لم يسقط الفرض.

وقال ابن عباس -رضي اللَّه عنه- في طهارة الثياب: أربع لا تنجس: الثوب، والأرض، والماء، والإنسان.

وأجاز ابن عباس وأصحابه الصلاة في الثوب النجس ولم يرَوا الإعادة، ورأى مالك الإعادة في الوقت استِحبابًا، لأن الوقت من فرض الصلاة، والثوب


(١) كذا في الأصل، وسياقها هو: الرد على الشافعي وبيان خطأ تأوله.
(٢) عزاه ابن جرير في تفسير قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} لغيلان بن سلمة الثقفي.
(٣) هو قول أشهب من المالكية، الإشراف (١/ ١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>