للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصل النسيء إنما كان رجل من بني كنانة ثم من بني فُقَيم، يُعرف بالقَلَمَّس، واسمه حُذيفة نَسَأَة، فقال فيه الشاعر:

ومنا مُنْسِيءُ الشهور القَلَمَّسُ

وكان اسمه: حُذيفة، وهو من بني فُقَيم، وكان ملِكًا فيهم، وكانت العرب لا تقاتل في الشهر الحرام، فكان إذا أراد القتال أَحل الشهر الحرام وقاتل فيه، واستحله وأبدل مكانه، ثم أبدل الحج لحاجته إلى الحرب، وكان يُحِل في الشهر الحرام دماء طيء وخَثْعَم، لأنهما كانا لا يريان الحج من بين سائر العرب، وكانت العرب كلُّها تَحُج البيتَ، وتُعَظّم الشهور الأربعة التي حرمها إبراهيم عليه السلام؛ وكانوا يحجون في ذي الحجة على الاتباع لأفعال إبراهيم عليه السلامُ حتى حدَث النَّسيء، وكان القَلَمَّس لما غيَّر الحج وغير الشهور الحرُم يقول: "إني [ما] (١) أُحِلُّ شهرًا إلا حرمت مكانه شهرًا"، فكانت العرب كذلك ممن كان يَدين للقَلَمَّس، فكان يخطب فيقول: "اللهم إني لا أُعاب ولا أُخاب، ولا مَرَدَّ لِما قضَيتُ، اللهم إني قد أحللت دماء المحلين من طيء وخَثعم، فمن لقيهما فليقتلهما"، فيرجع الناس وقد أخذوا بقوله.

فكان حذيفة على ذلك، ثم خلفه ابنُه عبّاد بن حذيفة، ثم خلفه ابنه قَلْع بن عبّاد، ثم أمية بن قَلْع، ثم عوف بن أمية، ثم جُنادة بن عوف، فحج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حجة الوداع وجُنَادة صاحب ذلك، فأبطل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما كان جُنَادة يفعله، وَحَرّمَ الشهورَ على ما كانت في عهد إبراهيمَ عليه السلام، ورَدَّ الحج إلى ما كان عليه مقتديًا بجده إبراهيم -صلى اللَّه عليه وسلم-، ووقف الأمر على ذلك واستقام وأبطل النسيء، وحبس اللَّه تبارك وتعالى نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الحج فيما يأمره به، ولم يوجبه عليه حتى دار الزمان وزال النسيء، وقال تبارك وتعالى عند ذلك:


(١) ساقطة من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>