للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣]، وزال الجدال، فلا حَجّ إلا على شريعة إبراهيم عليه السلام، وقال عليه السلام: "خذوا عني مناسككم" (١).

وكان حج عَتَّاب وحجة أبي بكر في سنة تسع في ذي القعدة على ما كانوا عليه، فبعث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا بكر ليقيم الموسم والعرب على أمرهم، ونزلت براءة بعد خروج أبي بكر بثلاث، فأنفذ بها عليًا وحمَله على ناقته العَضْباء وعهد إليه، فأدرك أبا بكر ببعض الطريق، فقال له أبو بكر: أميرٌ أو مأمور؟ فقال: بل مأمور، فمضيا، فأقام أبو بكر -رضي اللَّه عنه- للناس يوم الحج، حتى إذا كان يوم النحر صرخ عليٌّ بأعلى صوته، فقال: يا أيها الناس، إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان، ومن كان له عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عهد فهو إلى مدته (٢).

وكانت قريش أدارت بينها رأيًا يكيدون به العرب، فابتدعوا بينهم أن قالوا: أنتم وُلاة هذا البيت وأهله دون الناس، فلا تعظِّموا سواه، فكانوا يقِفون بالمزدلفة، وتركوا الموقف بعرفة، لأنه من الحِلّ، وكانت عرفة من عهد إبراهيم وشعائره، وكانت العربُ غير الحُمْس تقف بعرفة، فأمر اللَّه تعالى نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُفيض من حيث أفاض الناس، فرجع الأمر إلى عرفة.

وقوله جلّ وعزّ: {وَلَا (٣) جِدَالَ} [البقرة: ١٩٧]، إنما هو لا جدال في الوقوف بعرفة، وأن الحج في ذي الحجة، فقد ارتفع الجدال في ذلك، وقيل لقريش: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: ١٩٩]، فأُلزِموا ذلك، وأزيل النسيء (٤) الذين كانوا يحجون في المُحرَّم سنتين، وفي صفر سنتين، وفي كل شهر سنتين.


(١) تقدم تخريجه (١/ ٨٨).
(٢) تقدم عن علي وأبي هريرة -رضي اللَّه عنه- (٢/ ٨).
(٣) في الأصل: لا.
(٤) كذا في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>