للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بما نزل، وبوجوهه وتصرُّفاته، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس الخبر كالمعاينة" (١)، وقال: "انظروا إلى فضل المعاينة على الخبر" (٢)، ونصحهم للأمة وصدقهم، فمدح اللَّه متَّبعهم فقال: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: ١٠٠]، ومتَّبعهم إنما يتبعهم فيما قالوه دون ما رَوَوه، إذ كان ما رويَ المتَّبَعُ فيه الرسولُ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا اختلفوا وجب النظر في أقاويلهم دون الخروج عنها لقوله عز وجل: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: ١٨]، الأحسن ما أنتجه النظر واستخرجته الدلائل والعلل، من الأصول المجمعِ عليها من الكتاب والسنة، فبين ما اختلف فيه على علل ما اتفق عليه.

ولم يزل أهل العلم على ذلك متَّبِعين لسلفهم حتى حدث في القرن الرابع من هذه الأمة ومن تلاهم، قوم مستخِفُّون بقول السلف وله هاجِرون، وعلى مذاهبهم زارُون، يحدثون أنفسهم أن أَسَدَّ الجواب ما استخرجوه، وأعلاه ما استنبطوه، أخذوا ذلك عن أهل الزيغ، لا يعرِّجون على الرواية، ولا يلتفتون إلى باطن التلاوة، ويَرَوْن أنهم يُساوُون السلف في العلم بالكتاب، طعنًا بذلك على إخوان المصطفى، الذين فارقهم على الصدق والوفا، والطهارة والتُّقى، ولو أخذوا ذلك عن من شاهد الوحي، ونزل القرآن بلغته، لكانت هذه الطائفة قد سلكت سبيل الصواب، وصادفت سديد الجواب، ولعلمت أن عقول من تقدمهم تُربي على عقولهم، وأفهامهم تزيد على أفهامهم، ولكنهم لما خالطوا أهل الكلام، وجانبوا الورع، وصار القصدُ الغلبةَ بالجدل المحض، منعهم اللَّه التوفيق، وحاد بهم عن الطريق.


(١) جزء من حديث رواه الإمام أحمد برقم ١٨٤٢ و ٢٤٤٧، والحاكم (٢/ ٣٢١)، كتاب التفسير، تفسير سورة الأعراف، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنه-.
(٢) سياقه يدل على أنه حديث، لكن لم أظفر به.

<<  <  ج: ص:  >  >>