للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن أعجب ذلك أنَّ قائلَهم يقول: إن القرآن على ظاهره إلا أن يقوم الدليل، وهذا قول الخوارج الذين كان أوَّلهم بالنَّهْرَوان، أخبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عليًّا رحمه اللَّه أنه يقاتلهم على تأويله كما قاتل هو -صلى اللَّه عليه وسلم- على تنزيله.

قال القاضي: والقرآن كله قد أُحكم، وعُرفت أحكامه، فما أُخِّر بيانُه عن الحاجة إليه، فقد بيَّن ما أراد اللَّه به من عموم وخصوص، وظاهر وباطن، وغير ذلك من وجوهه وتصرفاته، ولم يوقف فلا يعمل به على من يأتي بعد مائتين وثلاثمائة سنة فيبيِّنه، حتى يضع كتبًا يقول فيها: البيان الأول، والثاني والثالث من البيان (١)، وهذا ما لا يجوز أن يُقْدم عليه إلا جبريل عليه السلام عن اللَّه عز وجل، بل قد عمل به السلف، واتبعهم على ذلك الثاني والثالث من الخلف، وهم عارفون بأقدارهم، مقتدون بهم، وكفى برجل نقصًا أن يرى أنه قد عَلِم من كتاب اللَّه عز وجل ما قصر عن علمه الصحابة والتابعون، أو يرى أنه فوقهم علمًا وفهمًا، أو يظن أنه مثلُهم، لقد خاب وخسر.

قال القاضي: فالحمد للَّه الذي بصَّرنا خطأ المخطِئين، وسوء موقف من عَنَد عن الدين، ولم يَلِجوا في أمرهم إلى يقين.

أما بعد، -وفقنا اللَّه وإياكم للصواب والسداد والرشاد- فإني اختصرت في كتابي هذا أحكامَ القرآن ليَقْرُب من فهم المتعلم، طلبًا لعظيم الأجر، وجزيل الذُّخْر، إذ كان عمادَ الدين، لم أعْدُ فيه عن السُّنة وقولِ السَّلف، وما تُوجِبُه اللغة التي نزل القرآن بها.

* * *


(١) هو صنيع الإمام الشافعي -رضي اللَّه عنه- في الرسالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>