للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال بكر: ورأيت أبا حنيفة يفعل في الحديث ما يفعله أهل الكلام، فيجعل بعضها معارضًا لبعض، وقد فعل ذلك في غير شيء، فمن ذلك هذه القصة، فإنه لو هدي لرشده لكان جرح العجماء في الدابة، وفعلها في الطريق تحت راكبها، وحكم في المواشي بالليل بما حكم به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذ وجد لكل حديث معنى غير الآخر، وقدر على العمل بها.

وكذلك قال في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من باع نخلًا قد أُبِّرَت، فتمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" (١)، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نهى عن بيع التمر حتى يبدو صلاحه" (٢)، فجعل الخبرين متعارضين، وليس كما ظن، إنما نهى عن بيع التمر منفردًا لأنهما قصدا إلى الغرر، ما لم يبدُ الصَّلاح، إذ لا منفعة للمشتري فيه، فإذا بدا صلاحُه قارن الغرر الترفق، لم وإذا بايع مع النخل فإنما هو بيع لغيره، ولم يعمد المتبايعان الغرر، وإنما نهى عن الغرر المقصود.

وكذا قال وأصحابه في الإشعار أنه معارض لنهيه عن المُثْلَة (٣)، وإنما نهي عن المثلة في بني آدم، وعن المثلة في البهائم التي كانت العرب تفعله بها، من البَحْر، والصَّرْم، وما أشبه ذلك، فأما ما وجب للَّه ولا بد من نحره، فلم ينه


(١) متفق عليه من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنه-، أخرجه البخاري في صحيحه برقم ٢٢٠٤، كتاب: البيوع، باب: من باع نخلًا قد أبرت، ورقم ٢٧١٦، كتاب: الشروط، باب: إذا باع نخلًا قد أبرت ولم يشترط الثمرة، ومسلم (٥/ ١٦)، كتاب: البيوع، باب: من باع نخلًا عليها تمر.
(٢) متفق عليه من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنه-، رواه البخاري في صحيحه برقم ٢١٨٣، كتاب: البيوع، باب: بيع المزابنة، ومسلم (٥/ ١١)، كتاب: البيوع، باب: النهي عن بيع الثمار قبل بُدُوِّ صلاحها.
(٣) المُثْلَة: قال في النهاية (٤/ ٢٩٤): "يقال: مَثَلْت بالحيوان أَمْثُل به مَثْلًا، إذا قطعت أطرافه وشوهت به، ومَثَلْتُ بالقتيل، إذا جدَعت أنفه، أو أذنه، أو مذاكيره، أو شيئًا من أطرافه، والاسم: المُثْلَة، فأما: مَثَّل بالتشديد، فهو للمبالغة".

<<  <  ج: ص:  >  >>