للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما قيل: {لَا تَقْبَلُوا لَهُمْ (١) شَهَادَةً أَبَدًا} لأنه من الفاسقين، نعت استَحق أن يُنعَت به لِما كان منه، فإذا زال النعت عنهم وجب على الحاكم قَبولُ شهادتهم، لأن شهادتهم إنما سقطت للوصف الذي وصفهم اللَّه تبارك وتعالى به، وليس بوصف الإنسان بالفسق، لأن الحاكم لا يقبل شهادته، وإذا وقع عليه اسم الفسق وجب على الحاكم رد شهادته، لأن اسم الفسق توجبه أفعال الفاسق لا أفعال غيره فيه.

فأما قولهم: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا}، يقع على زوال اسم الفسق خاصة، ولا يقع على قبول الشهادة، فشيء لا تقوم به حجة من كتاب ولا سنة ولا قياس، والنظر يوجب أن من أزال اللَّه تبارك وتعالى عنه الفسق وغفر له ورحمه مقبولُ القول، لأنه لا يبلغ أحد من العدالة أكثر من هذه الصفة.

وقد قال اللَّه عز وجل في المُحارِب: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣٣ - ٣٤]، فقد يمكن أن يقول قائل: إنما وقع الاستثناء عن إزالة العذاب العظيم عنهم في الآخرة، وأما ما وجب في الدنيا من المحدود فثابت، ولا يجعل الاستثناء واقعًا على جميع الكلام، وهذا ما لا يقوله أحد، فإن من غفر اللَّه له ورحمه فقد زال عنه كل عقوبة من عقوبات الدنيا والَاخرة، وهو مَرضيٌّ عدل، وقد جاء أن "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" (٢)، فلا بد أن يكون التائب من القذف الذي قد ثبت حكمه كمن لم يَقذِف، إذ قد أقيم عليه الحد الذي صار به قاذِفًا بغير شبهة.

قال سعيد بن المسيب: إن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- لما جلد أبا بكرة، وشبل بن مَعْبَد، ونافعًا، قَذَفَة المغيرة قد استتابهم بعد الجلد، وقال لهم: من


(١) في الأصل: له.
(٢) رواه ابن ماجه في سننه برقم ٤٢٥٠، أبواب: الزهد، باب: ذكر التوبة، عن ابن مسعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>