رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا معشر الأنصار، ألا تسمعون إلى ما يقول سيدكم؟ " قالوا: يا نبي اللَّه لا تلمه فإنه غيور، واللَّه ما تزوج فينا قط إلا عذراء، ولا طلق امرأة له فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته، فقال سعد: واللَّه يا رسول اللَّه إني لأعلم أنها من اللَّه، وأنها حق، ولكني عجبت.
فإن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَكذلك، إذ جاءه هلال بن أمية فقال: يا رسول اللَّه إني جئت البارحة عشيًّا من حائط لي كنت فيه، فرأيت مع أهلي رجلًا فرأيته بعيني وسمعته بأذني، قال: فكره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما جاء به، فقيل: يُجلد هلال، وتبطل شهادته في المسلمين، فقال هلال: يا رسول اللَّه إني لأرى في وجهك أنك تكره ما جئتك به، وإني لأرجو أن يجعل اللَّه لي فرجًا.
فإن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَكذلك، إذ نزل عليه الوحي وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه إذا نزل عليه الوحي، تَرَبَّد لذلك وجهه (١) وجسده، فأمسك عنه أصحابه فلم يكلمه أحد منهم، فلما رُفع الوحي قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبشر يا هلال، فقد جعل اللَّه لك فرجًا"، ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ادعوها"، فدُعيت، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّه تبارك وتعالى لَيعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ " فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا هلال"، فقال هلال: واللَّه ما قلت إلا حقًّا ولقد صدقتُ، فقالت هي عند ذلك: كذب، فقيل لهلال: أشهد، فشهد أربع شهادات باللَّه إنه لمن الصادقين، وقيل له عند الخامسة: اتق اللَّه يا هلال، فإن عذاب اللَّه أشد من عذاب الناس، وإن هذه الموجبةُ التي توجب عليك العذاب، فقال: واللَّه لا يعذبني اللَّه عليها أبدًا كما لم يجلدني عليها، فشهد الخامسة أن لعنة اللَّه عليه إن كان من الكاذبين، وقيل لها: اشهدي، فشهدت أربع شهادات باللَّه إنه لمن الكاذبين، وقيل لها عند الخامسة: يا هذه، اتق اللَّه فإن عذاب اللَّه أشد من عذاب الناس، وإن هذه الموجبةُ التي توجب عليك
(١) تَرَبَّد وجهُه: تغير إلى الغبرة، النهاية (٢/ ١٧٣).