للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو كان اللِّعان يجري مجرى الشهادات، لما لُوعن بينهما حتى تثبت عدالتهما، إنما جعل اللَّه اللِّعان رحمة لعباده، إذ كان الأزواج لا يجرون مجرى غيرهم من سائر الناس الذين أُخذ عليهم، ومنعوا من الرمي، إذ كانوا لا ضرر عليهم في أنفسهم فيما عاينوه، والزوج يلزمه من إظهار ما رأى وعاين ما لا يلزم غيرَه، لأنه يخاف أن يَلحق به نسب ليس منه، فجُعل له إذا أنكر حملًا، ولم يعرف له نسب أن ينكره، وجُعل له إذا عاين أو شاهد الزنا أن يخبر به، ثم جُعل له المخرج من ذلك باللِّعان، ولم يجُعل ذلك لغيره لضرورته إليه، ولا ضرورة لغير الزوج إلى ذلك.

وإنما قيل: يشهد أربع شهادات باللَّه، لأن ما حكاه مأخوذ من باب المشاهدة بالأبصار أو بالقلب، فسمي شهادة لهذه العلة، ولذلك قال مالك -رضي اللَّه عنه-: إن من قال لامرأته: يا زانية، ولم يقل: رأيت ولا نفى حملًا، أنه يُحَدّ ولا يلاعِن، لأن ذلك أُخذ من باب المشاهدة، فالرجل يقول في لعانه: أشهد باللَّه لقد رأيتها تزني، وأشهد باللَّه ما هذا الولد مني، فهذه الأُولى مأخوذة من باب النظر، والثانية من باب مشاهدة القلب، قال اللَّه عز وجل: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٦]، والشهادتان جميعًا عن علم منه بهما، وشهادتها (١) عن علم منها بصدقه أو كذبه، فكل واحد منهما موكول إلى علمه، وإن كان أحدُهما كاذبًا (٢) لا محالة، فإذا كان اللعان أيمانًا على مشاهدة، فكيف تجعل شهادة، والعدل لا تقبل شهادته لنفسه؟ وكيف شبهوا اللعان بالشهادة؟ والشاهد لو قال: أشهد باللَّه مائة مرة لزيد على عمرو درهم واحد، ما جازت شهادته، لأن الشاهد إذا حلف كان مُتَّهَمًا.

وكل من حُكم عليه بيمين أو حُكِم له بيمين، فالبَرُّ والفاجر والحر والعبد فيهما سواء، والمسلم والذمي، وقد عمَّ اللَّه تبارك وتعالى في كتابه


(١) في الأصل: وشهادتهما.
(٢) في الأصل: كاذب.

<<  <  ج: ص:  >  >>