والشافعي يجعله مجهولًا، وقال: أقل ما يقع عليه اسم شيء من الكتابة، فقد يجوز أن يجعله دانِق فضة من عشرة آلاف درهم، فهل يجوز في عقل عاقل أن يأمر اللَّه تبارك وتعالى في مثل هذا بهذا؟ وقد يجوز أن يُلزَم في ذلك أن يَحُطَّ حَبَّة، وأحسبه لم يفكر فيما وضع في كتابه من ذلك.
وتأمّلتُ الرواياتِ في ذلك من عمرَ وعليٍّ صلوات اللَّه عليهما ومَن دونَهما، فوجدتُها كلَّها على التكرُّم وعلى غير الإيجاب، وكذلك روي عن عثمان، وقد كاتب عثمان -رضي اللَّه عنه- عبدًا له على مائة ألف درهم فلم يحط منها شيئًا واستوفاها، وكاتب أنسٌ سيرينَ فاستوفى، ولم يَحُطَّ عنه شيئًا، ونظائر هذا كثير، وهو شيء أمر اللَّه به وندب إليه وأحبه من عباده الأصل والفرع، فلا ينبغي لذي علم أو دين أن يخرج من ذلك إلى المستقبَح، إلا أن يكون قد نظر لعبده حين كاتَبه نظرًا يؤديه إلى العتق، فيجوز له أن يدع ويجوز ألا يدع له شيئًا، كما فعل عثمان وأنس وغيرُهما.
وقد ذكرنا في أول هذه المسألة قول من قال:{إِنْ عَلِمْتُمْ} مالًا، وهو مذهب، وقد جعلوا للعبد مالًا، لأن تفسيرهم وقع على أن للعبد مالًا (١) قبل أن يُكاتب.
والذين قالوا الخيرُ: الصلاحُ، فهو مذهب حسن، وقد قال اللَّه عز وجل:{إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النور: ٣٢]، فدل أيضًا على أن العبد يملك المال، لأنه لا يوصف بالغنى والفقر إلا وهو ممن يملك المالَ.
فإن قيل: إن الفقر المذكور في الآية قد يمكن أن يكون في الأيامى خاصة.