للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعند التأمل في هاتين الآيتين نجد الأولى منهما مُغيَّاةً بغايةٍ ينتهي حكمُها عند حلول تلك الغاية، وهي قوله: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}، وقد جاء السبيل بوجوب رجم المحصن، وجلد غير المحصن مئة جلدة، وتغريب عام، وهذا لا يسمَّى نسخًا على المعنى الصحيح للنسخ.

ونجد الآية الثانية فيها الأمر بأذاهما، وما شرعه الله تعالى من رجم المحصَن، وجلد غير المحصن وتغريبه نوع من الأذى، فهو بيان للآية، والبيان لا يُعد نسخًا.

وهذا هو الراجح، فالآيتان محكَمتان (١).

٦ قوله تعالى في سورة النساء: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [الآية: ٣٣].

أي: والذين تعاهدتم وتحالفتم وإياهم بالأيمان والمواثيق المؤكدة المغلظة، وكان هذا في الجاهلية، الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر، وكانوا يتوارثون بالحلف.

وقوله: {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} قال كثير من المفسرين: من الميراث.

قالوا: ونسخ هذا بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: ٧٥].

وقال بعضهم: {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} من النصرة والمعونة، والنصيحة والرأي، والعقل، دون الميراث.

فالآية محكمة غير منسوخة؛ لأنه لا تعارض بينها وبين آية المواريث، وهذا هو الراجح (٢).

يضاف إلى هذا أن الإسلام قد أبطل الحِلف، كما جاء في حديث جُبير بن مُطعِم -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا حِلفَ في الإسلام، وأيما حلفٍ كان في الجاهليةِ فإن الإسلام لم يَزِدْهُ إلا شدةً» (٣).

وبهذا يتبين أن الآيات التي نُسخت من القرآن الكريم لا تتجاوز خمس آياتٍ فقط، وما عداها مما قيل بنسخه فهو محكَم غير منسوخ، ولله الحمد.


(١) انظر المصدر السابق ٢/ ١٦٨ - ١٦٩.
(٢) انظر المصدر السابق ٢/ ٢٠٦.
(٣) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (٢٥٣٠)، وأبو داود في الفرائض (٢٩٢٥)، وأحمد ٤/ ٨٣ (١٦٧٦١).

<<  <   >  >>