وإنما عظَّم الشرع حق الأم لما عانته من آلام الحمل والولادة، ومن التعب والسهر على العناية بالولد وحضانته، وإزالة الأذى عنه، وإرضاعه وتربيته.
ومع عِظم حق الأم في البر والإحسان، فلا ينبغي أن يكون ذلك على حساب حق الأب في البر، فالبر بالأب من أعظم الواجبات، وحقه من أعظم الحقوق.
فعليه الحمل الأكبر في الإنفاق على الأم، وعلى ولده، وتربيته، وتوجيهه، وتعليمه وتأديبه، فهو يبذل الغاليَ والنفيس في سبيل تنمية عقول أولاده، وأرواحهم، وأبدانهم، وصلاح أمر دينهم ودنياهم.
ويخطئ أشد الخطأ مَن ينظِّرون للناس، ويقارنون بين البر بالأم والبر بالأب، بزعم أن البر بالأم يكون على حساب البر بالأب، أو العكس، فيغمطون الأم حقها الذي أعطاه الشرع لها، أو يغمطون الأب، وهؤلاء يفتقدون العلم، كما يفتقدون الحكمة، وليتهم يسكتون!
وكما يختلف ويتفاوت البر بالوالدين بين الأم والأب، فكذلك يختلف الأولاد في الواجب عليهم من البر، فيجب على القوي والغني والقادر ما لا يجب على الضعيف والفقير والعاجز، ويجب على الابن من حيث العموم ما لا يجب على البنت؛ لأنه أقدر منها؛ لأن البنت وخاصة إذا كانت متزوجة مَهيضة الجناح، كالأسيرة عند زوجها.
ومع ذلك تجد البنات غالبًا أعظم برًّا من الأبناء بوالديهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
[د- استمرار البر بالوالدين بعد موتهما]
وذلك بالدعاء والاستغفار لهما، والصدقة والحج والعمرة عنهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا تُوصَل إلا بهما، وغير ذلك.
قال نوح -عليه السلام-: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[نوح: ٢٨]، وقال إبراهيم -عليه السلام-: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}.