للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: ما أنا بآكِلٍ حتى تأكل. قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم. فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم. فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قمِ الآن. فصلَّيا. فقال له سلمان: «إن لربِّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حق حقه». فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر له، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «صَدَقَ سلمانُ» (١).

وذكر أحد الثقات أن أحد الإخوة تنكرت له أم أولاده بعد عشرة طيبة طويلة، فشق ذلك عليه، واستشار أحد إخوانه من ذوي العقل والمعرفة، فقال له: كيف حالك معها في أمر النساء؟ فقال: لقد ركِبتني ديون وهموم حتى أصبحت لا أهنأ بنوم، فكيف بأمر النساء، أي: ليس لي فيه عهد منذ زمن طويل، فقال أخوه: هذا هو السبب فيما حصل من زوجتك، فعاد الزوج معها في هذا الأمر بما تيسر له من أسباب، فعادت العِشرة الطيبة بينهما.

والأمثلة على هذا كثيرة جدًّا.

الوقفة الثالثة في:

اختيار الصديق

اختيار الصديق واستخلاصه ليس بالأمر السهل، ولا البسيط؛ لأن من يظهِر الصداقة في الناس كثير، لكن الصديق الوفي منهم قليل، ولهذا نجد القرآن الكريم أفرد الصديق في قوله تعالى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ}، في حين أن ما قبله في الآية جاء على صيغة الجمع.

كما أفرد الصديق في قول أهل النار: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (١٠٠) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء ١٠٠، ١٠١]، قال المفسرون: وفي هذا إشارة إلى قلة الصديق المخلص.

قال أعرابي: «الصاحب كالرقعة في الثوب، فلينظر الرجل بم يرقعه» (٢).

وقال إبراهيم بن أدهم: «أنا منذ عشرين سنة في طلب أخ إذا غضب لم يقل إلا الحق،


(١) أخرجه البخاري في الصوم (١٩٦٨)، والترمذي في الزهد (٢٤١٣) من حديث أبي جحيفة -رضي الله عنه-.
(٢) انظر: «الصداقة والصديق» ص ٣٥٢.

<<  <   >  >>