ولا شك أن معاداة الأقربين من الوالدين والأولاد والإخوة والأزواج وغيرهم من ذوي القرابة من أشق الأشياء وأصعبها على النفوس؛ ولهذا قال -عز وجل- بعد ذلك:{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الممتحنة: ٧]، ففتح -عز وجل- للمؤمنين في هذه الآية باب الرجاء والتفاؤل بجعل المودة بينهم وبين الذين عادوا من أقاربهم بسبب كفرهم، وذلك بأن يؤمن هؤلاء الأقارب فتعود المودة بينهم، وهذا وعد منه -عز وجل-، وهو كالبلسم على القلوب والنفوس، وهكذا وقع؛ فقد آمن كثير منهم، وعادت المودة والأخوة بينهم بفضل الله -عز وجل- كما وعدهم سبحانه.
الوقفة الخامسة
نماذج من تفاؤل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
التفاؤل من أخص صفات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، حتى في أشد الظروف، وأضيق الأحوال، وأقساها.
١ فهذا نبي الله موسى -عليه الصلاة والسلام- والمؤمنون معه، لما لحق بهم فرعون وجنوده، وتراءى الجمعان، وصار البحر أمامهم، والعدو خلفهم، وقال له أصحابه بنو إسرائيل: إنا لمدرَكون، قال -عليه الصلاة والسلام- مقالة المتفائل الواثق بربه، المتوكل عليه تمام التوكل:{قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء: ٦٢].
٢ ويعقوب -عليه الصلاة والسلام- بعد ما جرى ليوسف وأخيه -عليهما السلام- على يدي إخوتهما، وبعد مرور السنين والأعوام الطويلة، قال لأبنائه: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ