للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى وإن أساء إليك، واعلم أنه قل من يسلم من ذلك، واعلم أن هذا مركب صعب وعقبة كؤود، وصدق الله العظيم: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: ٣٤، ٣٥].

واعلم أخي المسلم أنك لن تهدأ، ولن تنام قرير العين ولن تذوق طعم السعادة حتى تجعل العفو والتسامح ديدنك، وما إخالك ترضى بالدون، وأنت تجد ما هو أعظم وأوفى منه، فإن من كان شعاره العفو والتسامح فأجره على العفو الكريم، بلا حد ولا عد: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠].

فعالج قلبك، والعاقبة للمتقين {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: ٨٨، ٨٩]، عسى أن تلقى الله وقد تخلصت مما عليك من الحقوق فلا أحد يطالبك بشيء، وعفوت عما لك من الحقوق فيكافئك عن ذلك صاحب العفو والفضل والإحسان بكرمه وجوده، وما أراك تعدل بهذا شيئًا.

وتأمل وفقك الله مدى الفرق الشاسع والبون الواسع بين من يأتي غدًا يطلب حقوقه عند الآخرين من أقاربه وجيرانه وإخوانه وغيرهم فيقتطع له من أعمالهم بقدر حقه ولو كان مثقال ذرة، وبين من يقال له بلسان الحال أو المقال: أنت سامحت أصحاب الحقوق التي لك، والله -عز وجل- أولى منك بالمسامحة، فخذ ما شئت من الأجر والفضل بلا حد ولا عد، شتان بين هذا وهذا، وبين الثرى والثريا!

[الأمر الثالث: مما ينبغي أن يستعد به للقاء الله تعالى]

كتابة وصيته، وما عليه من حقوق، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ١٨٠].

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» (١).


(١) أخرجه البخاري في الوصايا (٢٧٣٨)، ومسلم في الوصية (١٦٢٧)، وأبو داود في الوصايا (٢٨٦٢)، والنسائي في الوصايا (٣٦١٥ - ٣٦١٩)، والترمذي في الجنائز (٩٧٤)، وابن ماجه في الوصايا (٢٦٩٩، ٢٧٠٢)، وأحمد ٢/ ١٠ (٤٥٧٨).

<<  <   >  >>