للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الديون وغيرها ما استطاع إلى ذلك سبيلًا؛ لأن الإنسان لا يدري متى يباغته الأجل، ونفس المؤمن معلقة بدينه حتى يُقضى عنه، كما جاء في الحديث (١).

ومن صدق الثقة بموعود الله -عز وجل- وجزيل ثوابه أن يعفوَ الإنسان عما له من حقوق عند الآخرين، من دم أو عرض أو مال ونحو ذلك ما أمكنه ذلك، قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠]، وقال تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: ٢٣٧]، وقال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: ١٢٦].

فاحرص أخي المسلم بارك الله فيك على أن تقدم على ربك وليس لأحد من الخلق عليك حق ما استطعت إلى ذلك سبيلًا، وتأمل خطورة الأمر، وتذكر قول الناصح الأمين -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: «أتدرون من المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار» (٢).

واحرص أخي المسلم على مسامحة إخوانك المسلمين والعفو عن هفواتهم، واعلم أنك كما تدين تدان، فإن كنت تحب أن يعفو الله عن ذنوبك وهفواتك فاعف عن الآخرين، وكن من الذين قال الله تعالى فيهم: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٣، ١٤٣]. نسأل الله الكريم من فضله.

واحذر أن يكون في نفسك حقد أو عداوة أو ضغينة أو حسد لأحد من المسلمين،


(١) أخرجه الترمذي في الجنائز (١٠٧٨، ١٠٧٩)، وابن ماجه في الأحكام (٢٤١٣)، وأحمد ٢/ ٥٠٨ (١٠٥٩٩) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. وصححه الألباني في «مشكاة المصابيح» (٢٩١٥)، «صحيح الجامع» (٦٧٧٩).
(٢) أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب (٢٥٨١)، والترمذي في صفة القيامة (٢٤١٨)، وأحمد ٢/ ٣٠٣ (٨٠٢٩) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>