للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السعودية حفظه الله تعالى (١): «أما المعبِّرون فالواجب عليهم تقوى الله -عز وجل-، والحذر من الخوض في هذا الباب بغير علم، فإن تعبير الرؤى فتوى؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: ٤٣].

ومعلوم أن الرؤيا بابها العلم لا الظن والتخرص، ثم أيضًا: تأويل الرؤى ليس من العلم العام الذي يحسن نشره بين المسلمين ليصححوا اعتقاداتهم وأعمالهم، وهي كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مبشرات»، وكما قال بعض السلف: «الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره».

هذا، وإن التوسع في باب تأويل الرؤيا حتى سمعنا أنه يخصَّص لها في القنوات الفضائية، وكذلك على الهواتف، وفي الصحف والمجلات، والمنتديات العامة من المنتجعات وغيرها، أماكن خاصة بها؛ جذبًا للناس، وأكلًا لأموالهم بالباطل، كل هذا شر عظيم وتلاعب بهذا العلم الذي هو جزء من النبوة.

قيل لمالك -رحمه الله-: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: «أبالنبوة يلعب؟!».

وقال مالك: «لا يعبر الرؤيا إلا من يُحسِنها، فإن رأى خيرًا أخبر به، وإن رأى مكروهًا فليقل خيرًا أو ليصمت»، قيل: فهل يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه؛ لقول من قال: إنها على ما أُولتْ عليه؟ قال: «لا»، ثم قال: «الرؤيا جزءٌ من النبوة، فلا يُتلاعب بالنبوة».

فيجب على المسلمين التعاون في منع هذا الأمر كل حسَب استطاعته، ويجب على ولاة الأمور السعي في غلق هذا الباب؛ لأنه باب شر وذريعة إلى التخرص، والاستعانة بالجن، وجر المسلمين في ديار الإسلام إلى الكهانة، والسؤال عن المغيبات.

زيادة على ما فيها من مضارَّ لا تخفى من إحداث النزاعات والشقاق والتفريق بين المرء وزوجه، والرجل وأقاربه وأصدقائه، كل هذا بدعوى أن ما يقول المعبر هو تأويل الرؤيا، فيؤخذ على أنه حق محض لا جدال فيه، وتُبنى عليه الظنون، وهذا من أبطل الباطل، ونحن لا نعلم أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم خير القرون وأحرصهم على هدي


(١) في مقال طويل له ضمن مجلة البحوث الإسلامية (٦٧ - ١٦ - ١٨)، تحت عنوان: تأويل الرؤى والحذر من التوسع فيها.

<<  <   >  >>