للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في وجوههم، كما قال تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين: ٢٤]، وقال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس: ٣٨ - ٣٩].

فجمع الله -عز وجل- لهم بين نزع الغل وإذهاب الحزن فكمل نعيمهم، سلموا من الغل في صدورهم، الذي السلامة منه في الدنيا أمر بعيد المنال، والذي أفسد ونكد على أهل الدنيا صفو حياتهم، فأشعل نار الكراهية والعداوات بينهم، والخلافات والنزاعات، وجعل بعضهم يظلم بعضًا، ويعتدي بعضهم على بعض في الأنفس والأعراض والأموال.

وسلموا من الحزن الذي لم يدع لذي لب في الدنيا فرحًا، والذي نغص وكدر على الناس صفو عيشهم، كما قال الشاعر:

لا طِيبَ للعيش ما دامت منغَّصةً … لذَّاتُهُ بادِّكار الموت والهَرَمِ (١)

وقال الآخر:

طُبِعَت على كَدَرٍ وأنتَ تُريدُها … صَفْوًا منَ الأقذاءِ والأكدارِ (٢)

فحُق لدارٍ مُلئت بالغل والأحقاد والأحزان أن يُزهد فيها، ولا يُغتر بها، وحُق لدار الصفاء والسرور والحبور أن يسارَع ويسابَق إليها، ويُتنافَس فيها، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: ١٢٣]، وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: ٢١].

قال ابن القيم -رحمه الله-:

فحيَّ على جناتِ عدنٍ فإنها … منازِلُكَ الأولى وفيها المخيم (٣)

نسأل الله تعالى الكريم من فضله.


(١) البيت مجهول القائل. انظر: «أوضح المسالك» (١/ ٢٤٢).
(٢) البيت لأبي الحسن التهامي. انظر: «ديوانه» (ص ٤٨).
(٣) انظر: «حادي الأرواح» ص (٧، ١٩٦)، و «طريق الهجرتين» ص (٩٢)، و «مدارج السالكين» (١/ ١٢٣، ٣/ ٢٠٠).

<<  <   >  >>