للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعًا: على الراقي أن يحرص على توجيه المريض إلى التعلق بالله -عز وجل-، وأن يعظم رجاءه بربه، ويستبشر خيرًا بأن الله -عز وجل- سيشفيه، ويعافيه، فهذا بإذن الله تعالى يخفف عليه المرض، ويعينه بتوفيق الله تعالى على تحمله، ومقاومته، ومن ثم بإذن الله زواله وشفاؤه، وهو بهذا التوجيه مأجور بإذن الله -عز وجل-.

خامسًا: على الراقي الاحتياط كل الاحتياط لسلامة دينه وعقيدته، والحذر كل الحذر مما يقع فيه بعض الرقاة- هداهم الله- من إيهام المريض بأن فيه سحرًا أو عينًا أو مسًّا، وربما تدرج الأمر ببعضهم بزعم أن الذي عمل لك السحر أو الذي أصابك بالعين فلان أو فلانة، وهذا أمر محرَّم لا يجوز؛ لما فيه من المحاذير والمفاسد العظيمة، ومن ذلك ما يلي:

الأول: أنه رجم بالغيب، وهو كبيرة من كبائر الذنوب، بل يُخشى على قائله ما هو أشد من ذلك؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، كما قال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: ٦٥]، وقال تعالى عن خدمة سليمان -عليه السلام- من الجن: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: ١٤].

الثاني: أن في هذا ظلمًا لمن اتُّهم بهذا العمل، بغير بينة، ولا دليل صحيح، وإنما لمجرد تخمينات وتخرصات وتوقعات وهمية، والظلم ظلمات يوم القيامة.

الثالث: أن في هذا إفسادًا للعلاقات الاجتماعية بين الأقارب والجيران والإخوان والأصدقاء والمعارف، وإيغار صدور بعضهم على بعض، مما يصعب جبره كما قيل:

إن القلوبَ إذا تنافرَ وُدُّها … شبه الزجاجةِ كَسرُها لا يُجبَر (١)

وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تَحابُّوا» (٢).


(١) البيت لصالح بن عبد القدوس، أو لعلي -رضي الله عنه-. انظر: «اللطائف والظرائف» لأبي منصور الثعالبي (ص ١٩٦)، و «السحر الحلال في الحكم والأمثال» لأحمد بن إبراهيم الهاشمي ص (٦٨).
(٢) أخرجه مسلم في الإيمان (٥٤)، وأبو داود في الأدب (٥١٩٣)، والترمذي في الاستئذان والآداب (٢٦٨٨)، وابن ماجه في المقدمة (٦٨) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. وأخرجه الترمذي في صفة الجنة والقيامة والورع (٢٥١٠) من حديث الزبير بن العوام -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>