للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم: ٥٤].

وقال تعالى: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: ٥]، وقال تعالى: {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا} [غافر: ٦٧].

ومن عرف هذه الحقيقة وتأملها، عرف أن الشاب القوي اليوم هو الشيخ الكبير الضعيف غدًا، وقد قيل:

فما أقربَ الآتي وأبعدَ ما مَضَى (١)

فلا يغتر شاب بشبابه وفتوته، ولا يغتر قوي بقوته.

علينا جميعًا أن نعرف تمام المعرفة مكانة جيل صاعد، سبقونا إلى الإسلام، وتقلبوا في العبودية عقودًا من الزمن، وتمرسوا بالتجارِب في ميدان الحياة، وبذلوا الغاليَ والنفيس في سبيل تربيتنا، وخدمتنا، وإسعادنا.

فيهم الدين والحكمة، والصبر والعقل، والرزانة والتجارِب، والخير والبركة أينما حلوا؛ ولهذا كان إكرامهم وتقديرهم تعظيمًا لله -عز وجل-.

عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن من إجلال الله إكرامَ ذي الشيبة المسلم» (٢)؛ أي: إن من تعظيم الله -عز وجل- إكرام ذي الشيبة المسلم؛ أي: إكرام الشيخ الكبير الذي شاب رأسه، وابيضَّ شعره في الإسلام وتوقيره واحترامه، وإنزاله منزلته التي تليق به، وذلك لعظم مكانته عند الله -عز وجل-.

ومن أوجه الإكرام لكبار السن، وإنزالهم منزلتهم ما يلي:

- ابتداؤهم بالسلام؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لِيُسلِّمِ الصغيرُ على الكبير» (٣).


(١) هذا صدر بيت للشاعر ابن عثيمين، سبق ذكره، وعجزه:
وهذا غراب البين بالبين ينعبُ
(٢) أخرجه أبو داود في الأدب (٤٨٤٣)، والبخاري في «الأدب المفرد» (٣٥٧) من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-. وحسنه الألباني في تحقيقه «الأدب المفرد».
(٣) أخرجه البخاري في الاستئذان (٦٢٣١)، ومسلم في السلام (٢١٦٠)، وأبو داود في الأدب (٥١٩٨)، والترمذي في الاستئذان (٢٧٠٣) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>