للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: نام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حصير، فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا يا رسول الله، لو اتخذنا لك وطاءً، فقال: «ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها» (١).

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»، وكان ابن عمر يقول: «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك» (٢).

ويا لله! ما مدى بركة عمر من وفقه الله لهذا التصور، ثم أعطاه من العمر ما أعطاه!

ويا لله! ما أقل بركة عمر معمر غاب عنه هذا التصور، وعاش غافلًا لاهيًا حتى فاجأه الأجل!

ولقد أحسن القائل (٣):

فما نحن في دار المنى غير أننا … شغفنا بدنيا تضمحل وتذهب

فحثوا مطايا الارتحال وشمروا … إلى الله والدار التي ليس تخرب

رابعًا: التفكر في عظمة الآخرة وعلو مكانتها ورفعة منزلتها، وأنها دار القرار ودار الحياة الحقيقية، إما نعيم أبدي، نسأل الله من فضله، أو عذاب سرمدي، نسأل الله السلامة، كما قال -عز وجل-: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: ٦٤].

خامسًا: أن يتفكر الإنسان في ضعفه، فهو من أضعف المخلوقات، إن لم يكن أضعفها، وعمره بالنسبة لأعمار من سبق من الأمم لا يساوي شيئًا. قال -صلى الله عليه وسلم-: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك» (٤).


(١) أخرجه الترمذي في الزهد (٢٣٧٧)، وابن ماجه في الزهد- مثل الدنيا (٤١٠٩) - وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
(٢) أخرجه البخاري في الرقاق (٦٤١٦)، والترمذي في الزهد (٢٣٣٣).
(٣) البيتان للشاعر ابن عثيمين. انظر: «ديوانه» ص ٤٩٨.
(٤) أخرجه الترمذي في الدعوات (٣٥٥٠)، وابن ماجه في الزهد (٤٢٣٦) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. قال الترمذي: «حسن غريب». وصححه الألباني في «الصحيحة» (٧٥٧).

<<  <   >  >>