وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك»(١).
فمن حفظ الله حفظه ووجده أمامه أينما توجه، ومن كان الله حافظه وأمامه فممن يخاف؟ وممن يحذر؟
السبب الثالث: الصبر على عدوه، وألا يقاتله، ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلًا، فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه، والتوكل على الله، ولا يستطل تأخيره وبغيه، فإنه كلما بغى عليه كان بغيه جندًا وقوة للمبغي عليه المحسود، يقاتل به الباغي نفسه، وهو لا يشعر، فبغيه سهام يرميها من نفسه إلى نفسه، ولو رأى المبغي عليه ذلك لسره بغيه عليه، ولكن لضعف بصيرته لا يرى إلا صورة البغي، دون آخره ومآله، وقد قال تعالى:{ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ}[الحج: ٦٠].
السبب الرابع: التوكل على الله، فمن يتوكل على الله فهو حسبه، والتوكل على الله من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، وهو من أقوى الأسباب في ذلك، فإن الله حسبه، أي: كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع لعدوه، فلو توكل العبد على الله حق توكله وكادته السموات والأرض ومن فيهن لجعل له ربه مخرجًا من ذلك وكفاه ونصره.
السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه، وهذا من أنفع الأدوية، ومن أقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره، فإن هذا بمنزلة من يطلبه عدوه ليمسكه ويؤذيه، فإذا لم يتعرض له، ولا تماسك هو وإياه، بل انعزل عنه، لم يقدر عليه، فإذا تماسكا وتعلق كل منهما بصاحبه حصل الشر، هكذا الأرواح سواء.
(١) أخرجه الترمذي في صفة القيامة ٢٥١٦، وقال «حسن صحيح» وأحمد ٤/ ٢٨٦، ٢٨٨.