للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[البقرة: ٢٦٣]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: ١٥٥]، وقال تعالى: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء: ١٢]، وقال تعالى: {وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة: ١٠١]، وقال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: ٤٤، وفاطر: ٤١]، وقال تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} [الحج: ٥٦]، وقال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا} [الأحزاب: ٥١]، وقال تعالى: {وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التغابن: ١٧].

فالحلم من أجل صفات الله -عز وجل- وأعظمها، و (الحليم) من أعظم أسمائه -عز وجل-؛ أي: الذي لا يعاجل من عصاه بالعقوبة.

قال ابن القيم (١):

وهو الحليمُ فلا يُعاجِلُ عَبدَهُ … بعقوبةٍ؛ ليتوبَ مِن عِصيانِ

وقد وصَف -عز وجل- بالحلم خليلَه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- فقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: ١١٤]، وقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: ٧٥].

وكان نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من أشد الناس حلمًا، كما تقدم في الكلام على صفة العفو.

فلقد لقِي من قومه من التكذيب والأذى ما لم يَلقَه نبي قبله من الأنبياء، وكان مع ذلك صلوات الله وسلامه عليه يقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».

وأبى على مَلَك الجبال أن يُطبِق على أهل مكة الأخشَبَين، وقال: «بل أرجو أن يُخرِجَ الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحدَه، ولا يشرك به شيئًا»، ولما دخل مكة فاتحًا عفا عن أهلها.

فالحلم وكظم الغيظ من أنبل وأجلِّ وأفضل الصفات، قال تعالى في مدح المتقين: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٤]؛ أي: الذين يحبسون الغيظ، وهو الغضب، كما قال تعالى في وصف المؤمنين المتوكلين: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: ٣٧].

وقال -صلى الله عليه وسلم- لأَشَجِّ عبدِ القيسِ: «إن فيك خَصلتينِ يحبهما الله: الحِلم والأناة» (٢)؛ والأناة:


(١) «النونية» (ص ١٤٨).
(٢) أخرجه مسلم في الإيمان (١٧)، والترمذي في البر والصلة (٢٠١١) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-. وأخرجه مسلم في الموضع السابق (١٨) من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>