للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يؤكّد ما قدّمناه من "ربانية" هذا العالم المخلص.

و"حسن الصحبة" وعلو الخلق أكثر ما تظهر عند الرجل في معاملته لمن دونه من الناس، كالخدم، والطلاب الغرباء -مثلا- لأن هؤلاء جعلهم الله تحت يده، وهؤلاء طلّاب، يريدون السماع بدون مقابل، وكفى بالأغتراب ذلّة وضعفا، وإذا أردت أن تعرف خلق انسان فأنظر أخلاقه مع الضعفاء.

والبخاري أحسن صحبة الجميع، وهاك ما قاله خادمه وورّاقه الذي صاحبه في السفر والحضر.

قال الورّاق عن سيده وأستاذه: وكان يتصدّق بالكثير، يأخذ بيد صاحب الحاجة من أهل الحديث، فيناوله ما بين العشرين إِلى الثلاثين، وأقلّ وأكثر، من غير أن يشعر بذلك أحد. وكان لا يفارقه كيسه. ورأيته ناول رجلا مرارا صرّة فيها ثلاث مئة درهم، -وذلك أن الرجل أخبرني بعدد ما كان فيها من بعد- فأراد أن يدعو، فقال له أبو عبد الله: أرفق، وأشنغل بحديث آخر كيلا يعلم بذلك أحد. (١)

قال: وكنتُ اشتريت منزلًا بتسع مئة وعشرين درهمًا، فقال: لي إليك حاجة تقضيها؟ قلت: نعم، ونعمى عين، قال: ينبغي أن تصير إِلى نوح ين ابي شدّاد الصيرفي، وتأخذ منه ألف درهم، وتحمله إليّ، ففعلت، فقال لي: خذه اليك، فأصرفه في ثمن المنزل. فقلت: قد قبلته منك وشكرته. وأقبلنا على الكتابة، وكنا في تصنيف "الجامع" فلما كان بعد ساعة، قلت: عرضت لي حاجة لا أجتريء رفعها إليك فظنّ أني طمعت في الزيادة، فقال: لا تحتشمني، وأخبرني بما تحتاج، فإِني أخاف أن أكون مأخوذا بسببك، قلت له: كيف؟ قال: لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- آخي بين أصحابه. فذكر حديث سعد وعبدالرحمن. فقلت له: قد جعلتك في حِلّ من جميع ما تقول. ووهبت


(١) سير النبلاء (١٢/ ٤٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>