للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: فلله درّ هذا الخادم كم حالفه الحظ. لخدمة هذا الإِمام؟ وكم أثّرت فيه تربية هذا المربي الجليل. وقبل أن ننتقل الى نموذج آخر في معاملة البخاري لعبيده، هذا خبر آخر يرويه الورّاق الوفي يلقي الضوء على دروس التربية التي كان يتلقاها عن امامه.

قال: وأملى يوما علىّ حديثا كثيرا، فخاف ملالي، فقال: طب نفسا، فإِن أهلّ الملاهي في ملاهيهم، وأهل الصناعات في صناعاتهم، والتجار في تجاراتهم. وأنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه. فقلت: ليس شيء من هذا، يرحمك الله الا وأنا أري الحظّ لنفسي فيه. (١)

والنموذج الآخر الذي أحببنا إِيراده هنا، هو لجارية البخاري، دخلت عليه وقد نشر دفاتره وأصوله التي رحل في تحصيلها إِلى بعيد الديار، وعانى في سماعها متاعب الأسفار، نثرها ليصنّف النظير إِلى النظير، ويقدم للمسلمين من بنات أفكاره واجتهاداته ما ينفع في الدارين. وإذا بهذه الجارية تتلف ما هو منشور من هذه الدفاتر، ولم تقف لتعتذر، بل وقفت لتجادل، لأنها تعرف خلق سيدها النبيل، وبعد ذلك حصلت على أغلى مكافأة تفكر بها في حياتها وهي "الحرية".

وقال الورّاق الأمين:

سمعت عبد الله بن محمد الصارفي يقول: كنت عندأبي عبد الله في منزله، فجاءته جارية، وأرادت دخول المنزل، فعثرت على محبرة بين يديه، فقال لها: كيف تمشين؟ قالت: أذا لم يكن طريق، كيف أمشي؟ فبسط يديه، وقال لها: أذهبي فقد أعتقتك. قال: فقيل له فيما بعد: يا أبا عبد الله، أغضبتك الجارية؟ قال: أن كانت أغضبتني فإِنيّ أرضيت نفسي بما فعلت. (٢)


(١) السير: ١٢/ ٤٤٥.
(٢) سير النبلاء: ١٢/ ٤٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>