للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والبخاري إِنما كتم رأيه أولا حرصا منه علي وحدة الصف المسلم، أما الآن وقد كتب في شأنه ما كتب، وإمتحنوه، وإضطروه لإِظهار قوله، فإِنه أظهره بشجاعة وثبات، بل صنف فيه مصنفا أبان فيه عن مذهبه في هذه المسألة. فقد روى الذهبي بإِسناده إِلى أبي بكر الإِسماعيلي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن سيار، حدثني محمد بن مسلم خشنام قال: سئل محمد بن إِسماعيل بنيسابور عن اللفظ، فقال: حدثني عبيد الله بن سعيد -يعني أبا قدامة- عن يحيي بن سعيد هو القطان قال: أعمال العباد كلها مخلوقة. فمرقوا عليه، وقالوا له بعد ذلك: ترجع عن هذا القول، حتى نعود إِليك؟ قال: لا أفعل إِلا أن تجيئوا بحجة فيما تقولون أقوى من حجتي. وأعجبني من محمد بن إِسماعيل ثباته (١).

وخلاصة رأي البخاري في هذه المسألة تتلخص في فقرتين:

١ - القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: مخلوق، فهو كافر (٢).

٢ - لم يقل البخاري يوما من الأيام: "لفظى بالقرآن مخلوق" لكنه قال: "أفعال العباد مخلوقة".

وبيان المسألة: أن الأئمة أحمد والذهلي والبخاري متفقون علي الفقرة الأولى، لكنهم إِختلفوا في قول الإِنسان "لفظي بالقرآن مخلوق"، فالإِمام أحمد والذهلي ومن تابعهما أنكروا هذا القول وإعتبروه بدعة لأنه لم يقل به السلف. وذلك: أن اللفظ يطلق ويراد به أمران:

الأول: الملفوظ نفسه -يعني القرآن- وهو غير مقدور للعبد، ولا فعل له فيه.

الثاني: التلفظ به والأداء له، وهو فعل العبد.

فإِطلاق الخلق علي اللفظ قد يوهم المعنى الأول، وهو خطأ، وإطلاق نفي الخلق


(١) السير (١٢/ ٤٥٤).
(٢) تاريخ بغداد (٢/ ٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>