لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فانزل الله تعالى هذه الآية، وهذا الحديث يدلّ على أنهم نقلوا حينئذ إلى الكعبة؛ لأن القتال فرض بعد الهجرة بعد نسخ «بيت المقدس» ] .
وسابعها: أن الآية نزلت في المسافر يصلى النوافل حيث تتوجّه به راحتله.
وعن سعيد بن جبر عن ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهما أنه قال:«إنما نزلت هذه الآية في الرَّجل يصلي إلى حيث توجّهت به راحتله في السفر» .
قال ابن الخطيب: فإن قيل: فأي هذه الأقاويل أقرب إلى الصَّواب؟
قلنا: إن قوله تبارك وتعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} مشعر بالتخيير، والتخيير لا يَثْبُت إلا في صورتين:
إحداهما: في التَّطوع على الراحلة.
وثانيهما: في السفر عند تعذُّر الاجتهاد لظلمه أو لغيرها؛ لأن في هذين الوجهين المصّلي مخير.
فأما على غير هذين الوجهين فلا تخيير، والذين حملوا الآية على الوجه الأول، فلهم أن يقولوا: إن القِبْلَةَ لمّا حولت تكلم اليهود في صلاة الرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وصلاة المؤمنين إلى بيت المقدس، فبين تعالى بهذه الآية أن تلك القبلة كان التوجه إليها صواباً في ذلك الوقت، والتوجه إلى الكعبة صواب في هذا الوقت، وبين أنهم أينما يولوا من هاتين القِبْلَتَين في المأذون فيه، فَثَمَّ وجه الله، قالوا: وحمل الكلام على هذا الوجه أولى؛ لأنه يعم كل مصلِّ، وإذا حمل على الأول لا يعم؛ لأنه يصير محمولاً على التَّطوع دون الفرد، وعلى السفر في حالة مخصوصة دون الحضر، وإذا أمكن إجراء اللفظ العام على عمومه، فهو أولى من التخصيص، وأقصى ما في ال «فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا» باب أن يقال: إنَّ على هذا التأويل لا بد أيضاً من ضرب تقييد وهو أن يقال: من الجهات المأمور بها «فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» إلَاّ أن هذا الإضمار لا بد منه على كلّ حال؛ لأنه من المحال أن يقول تعالى:«فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا» بحس ميل أنفسكم «فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» ، بل لا بد من الإضمار الذي ذكرناهن وإذا كان كذلك، فقد زالت طريقة التخيير.