للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أمينٌ مُصلح فإذا أوْدَعْتَهُ حبَّةً ردَّها إليك شجرةً مثمرةً، والنار خائنٌ مفسد كُلَّ ما سلمته إليه وأيضاً فالنار بمنزلة الخادم لِمَا في الأرض إن احتيج إليها استُدْعِيَتْ استدعَاء الخادم وإن استغني عنها طردت وأيضاً والأرض مستولية على النار فإنها تطفئ النار وأيضا فإن استدلال إبليس بكون أصله خيراً من أصله فهو استدلال فاسدلأن أصل الرماد وأصل البساتين المزهرة والأشجار المثمرة هو الطين، ومعلوم بالضرورة أن الأشجار المثمرة خير من الرماد وأيضاً (هب) أن اعتبار هذه الجهة يوجب الفَضيلة إلا ان هذا يمكن أن يعارَض بجهةٍ أخرى فوجب الرُّجْحَانُ مثل إنسان نَسِيب عارٍ عن كل الفضائل فإنّ نَسَبَهُ يوجب رُجْحَانَهُ إلا أن من لا يكون نسيباً قد يكونُ كثيرَ العلم والزهد فيكون أفضل من النّسيب بدرجات لا حدّ لها فكذبت مقدمة إبليس.

فإن قيل: هب أن إبليس أخطأ في هذا القياس لكنه كيف لزمخ الكفر في تلك المخالفة؟ وتقرير هذا السؤال من وجوه:

الأول: أن قوله: «اسْجُدُوا» أمرٌ والأمر لا يقتضي الوجوب بل النَّدْبَ، ومخالفة الندب لا تقضي العصْيَانَ فضلاً عن الكفر، (وأيضاً فالذين يقولون: إن الأمر للوجوب فهم لا ينكورن كونه محتملاً للندب احتمالاً ظاهراً ومع قيام الاحتمال الظاهر كيف يلزم العصيان فضلاً عن الكفر؟ {) .

الثاني: هب أنها للوجوب إلاّ أنَّ إبليس ما كان من الملائكة فالأمر (بالسدود) لآدم لا يدخل فيه إبليس.

الثالث: هب أنه تناوله إلا أن تخصيص العام بالقياس جائز فجاز أن يخصص نفسه من عموم ذلك الأمر بالقياس.

الرابع: هب أنه لم يسجد مع علمه بأنه كان مأموراً به إلا أن هذا القدر يوجب العِصْيَانَ ولا يوجب الكفر فكيف لزمه الكفر؟} .

فالجواب: هب أن صيغة الأمر لا تدل على الوجوب ولكن يجوز أن ينضم إليها من القراءن ما يدل على الوجوب وههنا حصلت تلك القرائن وهي قوله تعالى: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ العالين} ، فلما أتى إبليس بقياسه الفاسد ودل ذلك على أنه إنما ذكر القياس

<<  <  ج: ص:  >  >>