للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الثاني: أن ينتصب على الاختصاص، قال الزمخشري: فعلى الأول لا محل «لِيُعْرَضُونَ» ؛ لكنه مفسراً، وعلى الثاني هو حال كما تقدم.

فصل

دلت هذه الآية على إثبات عذاب القبر؛ لأن الآية تقتضي عرض النار عليهم غُدُوًّا وعَشِيًّا، وليس المراد منه يوم القيامة، لقوله بعده {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب} ، وليس المراد منه أيضاً الدنيا؛ لأن عرض النار عليهم غدوًّا وعشياً ما كان حاصلاً في الدنيا فثبت أن هذا العرض إنما حصل بعد الموت، وقبل القيامة. وذلك يدل على إثبات عذاب القبر في حق هؤلاء، وإذا ثبت في حقهم ثبت في غيرهم لأنه لا قائل بالفَرْقِ.

فإن قيل: لا يجوز أن يكون المراد من عرض النار عليهم غدواً وعشياً عرض القبائح عليهم في الدنيا لأن أهل الدين إذا ذكروا لهم الترغيب والترهيب، وخوّفهم بعذاب الله فقد عرضوا عليهم النار. ثم في الآية ما يمنع حمله على عذاب القبر وبيانه من وجهين:

أحدهما: أن ذلك العذاب يجب أن يكون دائماً غير منقطع. وقوله: {عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} يقتضي أن لا يحصُلَ ذلك العذاب إلا في هذين الوقتين فثبت أن هذا لا يمكن حمله على عذاب القبر.

الثاني: أن الغدوةَ والعشيةَ إنما يحصلان في الدنيا، أما في القيامة فلا وجود لهما، فثبت أنه لا يمكن حمل هذه الآية على عذاب القبر.

والجواب على الأول: أن في الدنيا عرض عليهم الكلمات التي تذكرهم أمر النار، ولم يعرض عليهم نفس الناس، وهذا الظاهر الآية، وارتكاب المجاز، وأما قولهم: الآية تدل على حصول العذاب في هذين الوقتين وذلك لا يجوز فالجواب لِمَ لا يجوز أن يكتفى في القبر بإيصال العذاب إليه في هذين الوقتين، ثم عند قيام يُلْقَى في النار، فيدوم عذاب حينئذٍ، واأيضاً لا يمتنع أن يكون ذكر الغَدْوَةِ والعشية كناية عن الدوام، كقوله تعالى:

{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} [مريم: ٦٢] وأما قولهم: إنه ليس في القبر والقيامة غدوة وعشية قلنا: لِمَ لا يجوز أن يقال: إن (عند) حصول هذين الوقتين لأهل الدنيا يعرض عليهم العذاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>