ثانيها: إضافة المحلِّ إلى الحالِّ فيه كقولك: كتابُ الْفِقهِ، وعلى هذا فالتقدير سدرة عندها مُنْتَهَى العلوم.
ثالثها: إضافة المِلْكِ إلى مالكه كقولك: دَارُ زَيْدٍ، وشَجَرَةُ زَيْدٍ، وحينئذ فالمنتهى إليه محذوف تقديره سدرة المنتهى إليه، قال تعالى:{وَأَنَّ إلى رَبِّكَ المنتهى}[النجم: ٤٢] فالمنتهى إليه هو الله تعالى وإضافة السِّدْرَة إليه حينئذ كإضافةِ البَيْتِ إليه للتشريف والتعظيم، كما يقال في التسبيح: يا غايَةَ رغبَتَاهُ يا منتهى أملَاهُ.
فصل
وجنة المأوى قيل: هي الجنة التي وعد بها المتقون، كقوله:{دَارَ المقامة}[فاطر: ٣٥] . وقيل: هي جنة أخرى عندها تكون أرواح الشهداء وقيل: هي جنة الملائكة.
قوله:(إذْ يَغْشَى) منصوب ب (رَآهُ) وقوله: «مَا يَغْشَى» كقوله: {مَآ أوحى}[النجم: ١٠] . وقال ابن الخطيب العامل في (إذْ) ما قبلها أو ما بعدها؟ فيه وجهان:
فإنْ قلنا: ما قبلها ففيه احتمالان:
أظهرهما:«رآه» أي رآه وقت ما يغشى السِّدْرة الذي يغشى.
والثاني: العامل فيه الفعل الذي في النزلة أي رآه نزلةً أخرى تلك النزلة وقت ما يغشى السِّدرة ما يغشى أي نزوله لم يكن إلَاّ بعدما ظهرت العجائب عند السدرة، وغَشِيهَا مَا غشي.
وإن قلنا: العامل فيها ما بعدها فالعامل فيه {مَا زَاغَ البصر} أي ما زاغ بصره وَقْتَ غَشَيَان السِّدْرَةِ ما غَشِيَهَا.
فصل
اختلفوا فيما يَغْشَى السدرة فقيل: فَرَاشٌ وَجَرَادٌ مِنْ ذَهب. وهو قول ابن عباس، وابن مسعود، والضحاك. قال القرطبي: وعن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال:«رأيتُ السِّدْرَة يَغْشَاها فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَرَأَيْتُ عَلَى كُلّ وَرْدَةٍ مَلَكاً قَائِماً يُسَبِّح» ؛ وذلك قوله تعالى:{إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى} . قال ابن الخطيب: وهذا ضعيف لأن ذلك لا يثبت إلَاّ بدليل سَمْعِيٍّ فإن صح فيه خبر وإلَاّ فلا وجه له.
وقيل: ملائكة يَغْشَوْنَها كأنهم طيورٌ يرتَقُونَ إليها متشرِّفين متبرِّكين بها زائرين كما يزور الناس الكعبة.