وظاهراً والفواحش ما أوجب عليه حدًّا في الدنيا. وقيل: الكبائر: ما يُكَفَّرُ مستحلُّها. وقيل: الكبائر ما لا يغفر الله لفاعله إلا بعد التوبة وهو مذهب المعتزلة.
قال ابن الخطيب: كل هذه التعريفات تعريف للشيء بما هو مثله في الخفاء أو فوقه. وقد ذكرنا أن الكبائر هي التي مقدارها عظيم والفواحش هي التي قبحها واضح، فالكبيرة صفة عائدة إلى المقدار والفاحشة صفة عائدة إلى الكيفية.
فصل
اختلفوا في معنى الآية، فقال بعضهم: ما سلف في الجاهلية فلا يؤاخذهم الله به وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين: إنهم كانوا بالأمس يعملون معاً فأنزل الله هذه الآية. وهذا قول زيدِ بنِ ثابت وزيدِ بن أسلم.
وقيل: هو صغار الذنوب كالنَّظرة والغَمْزَة، والقُبْلَة وما كان دون الزنا. وهذا قول ابن مسعود وأبي هريرة ومسروقٍ، والشَّعْبي ورواية طاوس عن ابن عباس قال: ما رأيت أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ علَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْن النَّظَرُ، وزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ، والنَّفْسُ تَتَمَنَّى وتَشتهِي والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ» وفي رواية: «والأُذُنَانِ زِنَاهُما الاسْتِمَاعُ، واليَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ والرِّجْلُ زِناها الخُطَى» .
وقال الكلبي: اللمم على وجهين:
[الأوّل] : كل ذنب لم يذكر الله عليه حداً في الدنيا ولا عذاباً في الآخرة فذلك الذي تكفره الصلوات الخمس ما لم يبلغ الكبائرَ والفواحشَ.
والوجه الآخر: هو الذنب العظيم يلمُّ به المسلم المرة بعد المرة فيتوب منه.
وقال سعيد بن المسيب: هو ما لَمَّ على القلب أي خَطَرَ. وقال الحُسَيْنُ بن الفضل: اللَّمَمُ النظرةُ عن غير تعمد فهو مغفورٌ، فإن أعاد النظر فليس بلَمَم بل هُو ذنبٌ.
قوله:{إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المغفرة} ، قال ابن عباس - (رَضِيَ اللَّهُ عَنْه) - لمن يفعل ذلك وتاب. وههنا تَمَّ الكلام.
قوله:{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض} في تعلق الآية وجوه: