فإن قيل: الأجنة هم الذين في بطون الأمهات وبعد الخروج لا يسمى إلا ولداً أو سَقْطاً، فما فائدة قوله تعالى:{فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} ؟
فالجواب: أن ذلك تنبيه على كمال العلم والقدرة، فإن بطون الأمهات في غاية الظُّلْمَةِ ومن علم حالَ الجنين فيها لا يخفى عليه ما يظهر من حال العِبَادِ.
قوله:{فَلَا تزكوا أَنفُسَكُمْ} قال ابن عباس - (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما) -: لا تمدحوها. وقال الحسن: علم الله من كل نفس ما هي صانعة، وإلى ما هي صائرة {فَلَا تزكوا أَنفُسَكُمْ} تُبَرِّئُوها عن الآثَام ولا تمدحوها بحسن أعمالها. وقال الكلبي ومقاتل: كان الناس يعملون أعمالاً حسنة ثم يقولون: صلاتُنا وصيامُنا وحَجُّنا فأنزل الله هذه الآية. ثم قال:{هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقى} أيَ برَّ وأَطَاعَ وأَخْلَصَ الْعَمَلَ.
فصل
يحتمل أن يكون هذا خطاباً مع الكفار، فإنهم قالوا: كيف يعلمنا الله؟ فرد عليهم قولهم ويحتمل أن يكون خطاباً مع كل من كان في زمن الخطاب وبعده من المؤمنين والكفار، ويحتمل أن يكون خطاباً مع المؤمنين وتقريره أن الله تعالى لما قال فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا قال لنبيه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - قد علم كونك ومن تَبِعَك على الحق وكون الكفار على الباطل فأعرض عنهم ولا تقولوا نحن على الحق وأنتم على الضلال؛ لأنهم يقابلونكم بمثل ذلك وفوض الأمر إلى الله، فهو أعلم بمن اتقى ومن طغى.
وعلى هذا قول من قال:«فأعرض» منسوخٌ أظهر، وهو كقوله تعالى:{وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}[سبأ: ٢٤] يعني الله أعلم بجملة الأمر.