منه التثبيت، والمعنى: إن حصلوا ديناً آخر مثل دينكم، ومساوياً له في الصحة والسداد، فقد اهتدوا، ولمَّا استحال أن يوجد دين آخر يساوي هذا الدين في الصواب والسَّدَاد استحال الاهتداء بغيره ونظيره قولك للرجل الذي تشير عليه: ها هو الرأي الصواب، فإ، كان عندك رأي أصوب مه فاعمل به، وقد علمت أن لا أَصْوَبَ من رأيك، [ولكنك تريد تثبيت صاحبك، وتوقيفه على أن ما رأت لا رأي وراءه] .
وقيل: إنكم آمنتم بالفرقان من غير تصحيف وتحريف، فإن آمنوا بمثل ذلك، وهو التوراة من غير تصحيف وتحريف، فقد اهتدوا؛ لأنهم يتوصّلون به إلى معرفة نوبة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
وقيل: فإن صاروا مؤمنين بمثل ما به صرتم مؤمنين، فقد اهتدوا.
و «ما» ف يقوله: «بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ» فيها وجهان:
أحدهما: أنها بمعنى الذي، والمراد بها حينئذ: إما الله تعالى بالتأويل المتقدم عند من يجيز وقوع «ما» على أولي العلم نحو:
{والسمآء وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: ٥] .
وإما الكتاب المنزل.
[والثاني: أنها مصدرية، وقد تقدم ذلك.
والضمير في «به» فيه أيضاً وجهان:
أحدهما: أنه يعود على الله تعالى كما تقدم]
والثاني: أن يعود على «ما» إذا قيل: إنها بمعنى الذي.
قوله: «فَقَدِ اهْتَدَوا» جواب الشرط في قوله: «فَإِنْ آمَنُوا» ، وليس الجواب محذوفاً، كهو في قوله: {وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ} [فاطر: ٤٠] ، لأن تكذيب الرسل ماض محقق هناك، فاحتجنا إلى تقدير جواب.
وأما هنا فالهداية منهم لم تقع بعد، فهي مستقبلة معنى، وإن أبرزت في لفظ المعنى.
[قال ابن الخطيب: والآية تدل على أن الهدىية كانت موجودة قبل هذا الاهتداء، وتلك الهداية لا يمكن حملها إلا على الدلائل التي نصبها الله تعالى وكشف عنها، وبين وجوه دلالتها، ثم بيَّن وجه الزجر وما يلحقهم إن تولوا، فقال: {وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} ] .
قوله: «فِي شِقَاقٍ» خبر لقوله: «هم» ، وجعل الشقاق ظرفاً لهم، وهم مظروفون له مبالغة في الأخبار باستعماله علهيم، وهو أبلغ من قولك: هم مُشَاقّونَ، وفيه: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} [الأعراف: ٦٦] ونحوه.