قال أهل السنة: إن الله تعالى قدر الأشياء أَيْ أي علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها ثم أوجد منها ما سبق في علمه فلا محدث في العالم العلويّ والسفليّ إلا وهو صادرٌ عن علمِهِ تعالى وقدرتِهِ وإرادته دون خلقه، وأن الخلق ليس لهم فيها إلا نوعُ اكتساب ومحاولةٍ ونسبةٍ وإضافةٍ، وأن ذلك كله إنما جُعِلَ لهم بتيسير الله وبقدرة الله وإلهامه سبحانه وتعالى لا إله إلا هو ولا خالقَ غيره كما نص عليه القرآن والسنة. لا كما قال القَدَريَّة وغيرهمُ من أن الأعمال إلينا، والآجال بيد غَيرِنا.
قال أبو ذرٍّ:«قَدِمَ وَفْد نَجْرَانَ على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقالوا: الأعمال إلينا والآجال بيد غيرِنا، فنزلت هذه الآيات إلى قوله:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} فقالوا يا محمد: يكتب علينا الذنب ويعذبنا؟ فقال: أنتم خصماء الله يَوْمَ القيامة» .
فصل
روى أبو الزُّبَيْر عن جابرِ بنِ عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «إِنَّ مَجُوسَ هَذِهِ الأُمَّةِ المُكَذِّبُونَ لِقَدَر اللَّهِ، إنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُم وإنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُم وإنْ لَقِيتُمُوهم فَلَا تُسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ» أخرجه ابن ماجه في سننه. وخرج أيضاً عن ابن عباس وجابر قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لهم في الإِسْلَام نَصِيبٌ أَهْلُ الإرْجَاء والقَدَر» .
قوله:{وَمَآ أَمْرُنَآ إِلَاّ وَاحِدَةٌ} أي إلا كلمة واحدة وهو قوله «كُنْ» . «كَلَمْحِ بِالبَصَرِ» أي قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر. واللمح: النظر بالعَجَلة يقال: لَمَحَ البَرْق ببَصَره؛ وفي الصحاح: لَمَحَهُ وأَلْمَحَهُ إِذا أبصره بنظرٍ خفيف، والاسم اللَّمْحَة، ولَمَحَ البَرْقُ والنَّجْمُ لَمحاً، أي لَمَعَ.
قال البغوي: قوله «وَاحِدَةٌ» يرجع إلى المعنى دون اللفظ أي وما أمرنا إلا واحدة.
وقيل: معناه وأما أمرنا للشيء إذا أردنا تكوينه إلا كلمة واحدة كما تقدم، وهي رواية عَطَاءٍ عن ابْن عبَّاس، وروى الكلبي عنه: وما أمرنَا بمجيء الساعة في السرعة إلَاّ كَطَرْف البَصَر.
فصل
قال ابن الخطيب: إنَّ الله تعالى إذا أراد شيئاً قال له: كُنْ فهناك شيئان الإرادة والقَوْل، فالإرادة قَدَر، والقول قضاء، وقوله:«وَاحِدَةٌ» يحتمل أمرين: