أحدهما: بيان أنه لا حاجة إلى تكرير القول إشارة إلى نَفَاذِ القَوْل.
ثانيهما: بيان عدم اختلاف الحال فأمره عند خلق العرش العظيم كأمره عند خلق النَّمْلَة الصغيرة فأمره عند الكل واحد. وقوله:«كَلَمْحٍ بالبَصَرِ» تشبيه للكون لا تشبيه الأَمْر، فكأنه قال: أمرنا واحدة، فإذا المأمور كائنٌ كلمح بالبصر، لأنه لو كان راجعاً إلى الأمر لا يكون ذلك صفة مدح يليق به، فإن كلمة «كُنْ» شيء أيضاً يوجد كلمح بالبصر. ومعنى «كَلَمْحٍ بالبصَرِ» أي كنَظَر العَيْن. والباء للاستعانة مثل: كَتَبْتُ بالقَلَم، دخلت على الآلة ومثل بها؛ لأنها أسرع حركة في الإنسان؛ لأن العين وجد فيها قرب المحرَّك منها، ولا يفضل عليه بخلاف العِظام، واستدارة شكلها، فإن دَحْرَجَةَ الكُرَة أسرع من دحرجة المُثَلَّثِ والمربَّعِ، ولأنها في رُطُوبةٍ مخلوقة في العضو الذي هو موضعها، وهو الحكمة في كثرة المرئيَّات بخلاف المأكولات والمسموعات والمفاصل التي تُفْصَل بالأرجل والمذُوقات فلَوْلَا سرعة حركة الآلة التي بها إدراك المبْصرات لما وصل إلى الكل إلا بعد طول بَيَان.
وقيل: معنى: «كلمح بالبصر» البرق يمر به سريعاً، فالباء تكون للإلصاق، نحو: مَرَرْتُ بِهِ، وفي قوله:«كَلَمْحِ بِالبَصَرِ» ولم يقل: كلمح البرق فائدةٌ، وهي أن لَمْحَ البرق له مبدأٌ ونهاية فالذي يمر بالبصر منه يكون أدل من جملته مبالغة في القلة، ونهاية السرعة.
قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ} أي أشباهكم ونظراءكم في الكفر من الأمم السابقة.
وقيل: أتباعكم وأعوانكم.
{فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} ، أي يتذكر ويعلم أن ذلك حق فيخاف ويعتبر.
(قوله){وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزبر} أي جميع مَا فَعَلَتْهُ الأمم قبلهم من خير وشر فإنه مكتوب عليهم أي في كتب الحفظة. وقيل: في اللوح المحفوظ.
وقيل: في أم الكتاب. قال القرطبي: وهذا بيان لقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} أي «في الزُّبُرِ» أي في اللوح المحفوظ.
قوله:{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ} أي كل صغير وكبير مكتوب على عامله قبل أن يفعلوه.
وقرأ العامة مُسْتَطَرٌ بتخفيف الراء من السَّطْر وهو الكَتْب أي مُكْتَتَبٌ يقال: سَطَرْتُ واسْتَطَرْتُ وكَتَبْتُ وَاكْتَتَبْتُ وقرأ الأعمش وعِمْرَانُ بنُ حُدَيْر - وتروى عن عاصمٍ - بتشديدها، وفيه وجهان: