علامة النبوة ومعجزة، وهذا مناسب لقوله تعالى: {وانشق القمر} [القمر: ١] . على ما تقدم أنه ذكر في أول تلك السورة معجزة من باب الهيبة، وذكر في هذه السورة معجزة من باب الرحمة، وهو أنه يسر من العلوم ما لا يسره غيره، وهو ما في القرآن، أو يكون بمعنى أنه جعله بحيث يعلم كقوله تعالى:
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ} [القمر: ١٧] ، فالتعليم على هذا الوجه مجاز كما يقال لمن أنفق على متعلم وأعطى أجرة معلمه: علمته.
فإن قيل: لم ترك المفعول الثاني؟ .
فالجواب: أن ذلك إشارة إلى أن النعمة في التعليم لا تعليم شخص دون شخص؛ فإن قيل: كيف يجمع بين هذه الآية، وبين قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ الله} [آل عمران: ٧] ؟ فالجواب: إن قلنا بعطف الرَّاسخين على «الله» فظاهر.
وإن قلنا بالوقف على الجلالة، ويبتدأ بقوله: «والرَّاسِخُون» فلأن من علم كتاباً عظيماً فيه مواضع مشكلة قليلة، وتأملها بقدر الإمكان، فإنه يقال: فلان يعلم الكتاب الفلاني، وإن كان لم يعلم مراد صاحب الكتاب بيقين في تلك المواضع القليلة، وكذا القول في تعليم القرآن، أو يقال: المراد لا يعلمه من تلقاء نفسه، بخلاف الكتب التي تستخرج بقوّة الذكاء.
فصل في نزول هذه الآية
قال المفسرون: نزلت هذه الآية حين قالوا: وما الرحمن؟ .
وقيل: نزلت جواباً لأهل «مكة» حين قالوا: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: ١٠٣] ، وهو رحمن «اليمامة» ، يعنون: مسيلمة الكتاب فأنزل الله - تعالى - {الرحمن، علَّم القُرآن} أي: سهله لأن يذكر ويُقرأ.
كما قال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ} [القمر: ٢٢] .
قوله تعالى: «خلق الإنسان» .
قال ابن عباس وقتادة، والحسن: يعني آدم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -.
قوله: «علَّمهُ البَيانَ» علمه أسماء كل شيء.
وقيل: علمه اللغات كلها، وكان آدم يتكلم بسبعمائة ألف لغة أفضلها العربية. وعن ابن عباس أيضاً، وابن كيسان: المراد بالإنسان هنا محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - والمراد من البيان بيان الحلال من الحرام، والهدى من الضلالة.