تحرثون من أرضكم، فتطرحون فيها البَذْر، أأنتُم تُنشئُونه، وتجعلونه زرعاً، فيكون فيه السُّنبل والحب، أم نحن نفعل ذلك وإنما منكم البِذْر وشقُّ الأرض؟ فإذا أقررتم بأن إخراج السُّنبلة من الحبَّة ليس إليكم، فكيف تنكرون إخراج الأموات من الأرض وإعادتهم؟ .
وأضاف الحَرْث إليهم، والزَّرع إليه تعالى؛ لأنَّ الحرث فعلهم، ويجري على اختيارهم، والزرع من فعل الله - تعالى - وينبت على اختياره لا على اختيارهم.
وكذلك ما روى أبو هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه قال:«لا يَقُولنَّ أحدُكمْ: زَرعتُ، وليقُلْ حرثتُ، فإنَّ الزَّارعَ هُوَ اللَّهُ» .
قال أبو هريرة: ألم تسمعوا قول الله تعالى: {أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزارعون} .
قال القرطبي:«والمستحبّ لكل من زرع أن يقرأ بعد الاستعاذة: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ} الآية، ثم تقول: بل الله هو الزارع، والمنبت والمبلغ، اللهم صل على محمد، وارزقنا ثمره، وجَنِّبْنا ضرره، واجعلنا لأنعمك من الشَّاكرين، ويقال: إنَّ هذا القول أمان لذلك الزَّرع من جميع الآفات: الدُّود والجراد وغير ذلك، سمعناه من ثقة وجرَّبناه فوجدناه كذلك» .
فإن قيل: إذا كان الزَّارع هو الله، فكيف قال تعالى:{يُعْجِبُ الزراع}[الفتح: ٢٩] .
وقال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ:«الزَّرْعُ للزُّراع»
فالجواب: أن الحرث أوائل الزَّرع، والزرع أواخر الحرث، فيجوز إطلاق أحدهما على الآخر لاتِّصاله به.
ومعنى:«أأنْتُمْ تزرَعُونَهُ» ، تجعلونه، وقد يقال: فلان زَرَّاع كما يقال: حرَّاث أي: يفعل ما يؤول إلى أن يصير زَرْعاً، وقد يطلق لفظ الزَّرْع على بَذْر الأرض وتكريبها تجوزاً.
قال القرطبي:«وهذا نهي إرشاد وأدب، لا حظر وإيجاب» .