وقوله: {إِلَاّ ابتغآء رِضْوَانِ الله} . فيه أوجه:
أحدها: أنه استثناء متصل مما هو مفعول من أجله، والمعنى: ما كتبناها عليهم لشيء من الأشياء إلا ابتغاء مرضات الله، فيكون «كتب» بمعنى «قضى» ، فصار المعنى: كتبناها عليهم ابتغاء مرضات الله، وهذا قول مجاهد.
والثاني: أنه منقطع.
قال الزمخشري ولم يذكر غيره: «أي: ولكنهم ابتدعوها» .
وإلى هذا ذهب قتادة وجماعة، قالوا: معناه لم يفرضها عليهم، ولكنهم ابتدعوها.
الثالث: أنه بدل من الضمير المنصوب في «كَتَبْنَاها» قاله مكي.
وهو مشكل، كيف يكون بدلاً وليس هو الأول لا بعضه، ولا مشتملاً عليه.
وقد يقال: إنه بدل اشتمال؛ لأن الرهبانية الخالصة المرعية حق الرعاية قد يكون فيها ابتغاء رضوان الله، ويصير نظير قولك: الجارية ما أحببتها إلا أدبها فأدبها بدل من الضمير في «أحببتها» بدل اشتمال، وهذا نهاية التمحُّل لصحة هذا القول.
والضمير المرفوع في «رَعَوْهَا» عائد على من تقدم.
والمعنى: أنهم لم يدوموا كلهم على رعايتها، وإن كان قد وجد هذا في بعضهم.
وقيل: يعود على الملوك الذين حاربوهم.
وقيل على أخلافهم و «حقَّ» نصبه على المصدر.
قال القرطبي فيها: وقيل: «إلَاّ ابتغاء» استثناء منقطع، والتقدير: «ما كتبناها عليهم، ولكن ابتدعوها ابتغاء رضوان الله» .
{فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} .
أي: ما قاموا بها حقَّ القيام، بل ضمُّوا إليها التثليث والاتحاد، وأقام الناس منهم على دين عيسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - حتى أدركوا نبينا محمداً - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - فآمنوا به، فهو قوله تعالى: {فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم، وكثير منهم فاسقون} .
وقيل: إنّا ما كتبنا عليهم تلك الرهبانية إلَاّ ليتوسلوا بها إلى مرضاة الله تعالى، ثم إنهم أتوا بتلك الأفعال لغير هذا الوجه، وهو طلب الدنيا والرِّياسة والسُّمعة.
وقيل: معناه أنا كتبناها عليهم فتركوها، فيكون ذلك ذمًّا لهم لتركهم الواجب.