وقال القرطبي: والتَّراصُّ: التلاصق، ومنه قوله: وتراصوا في الصف، ومعنى الآية: إن الله - تعالى - يحب من يثبت في الجهاد، وفي سبيله، ويلزم مكانه، كثبوت البناء.
وقال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: يوضع الحجر على الحجر، ثم يرص بأحجار صغار، ثم يوضع اللبن عليه، فيسمونه أهل مكة المرصوصُ.
قال ابنُ الخطيب: ويجوز أن يكون المعنى على أن يكون ثباتهم في حرب عدوهم حتى يكونوا في اجتماع الكلمة، وموالاة بعضهم بعضاً، كالبنيان [المرصوص] .
وقال سعيدُ بن جبيرٍ: هذا تعليم من الله للمؤمنين، كيف يكونون عند قتال عدوهم.
فصل في أن قتال الراجل أفضل من الفارس
قال القرطبي: استدل بهذه الآية بعضهم على أن قتال الراجل أفضل من قتال الفارس؛ لأن الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة.
قال المهدويُّ: وذلك غير مستقيم لما جاء في فضل الفارس من الأجر والغنيمة، ولا يخرج الفرسان من معنى الآية؛ لأن معناه الثبات.
فصل في الخروج من الصف
لا يجوز الخروج من الصفِّ إلا لحاجة تعرض للإنسان، أو في رسالة يرسلها الإمام، أو منفعة تظهر في المقام ك «فرصة» تنتهز ولا خلاف فيها.
وفي الخروج عن الصف للمبارزة [خلاف] .
فقيل: إنه لا بأس بذلك إرهاباً للعدو، وطلباً للشهادة، وتحريضاً على القتال.
وقيل: لا يبرز أحد طلباً لذلك؛ لأن فيه رياء وخروجاً إلى ما نهى الله عنه من لقاء العدو، وإنما تكون المبارزة إذا طلبها الكافر، كما كانت في حروب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يوم «بدر» ، وفي غزوة «خيبر» ، وعليه درج السلف.
وقد تقدم الكلام في ذلك في سورة «البقرة» عند قوله: {وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة}[الآية: ١٩٥] .