الشرط مبهم، فإذا وصلت ب «ما» زال منها معنى الإضافة، وضمنت معنى الشرط وجُوزِيَ بها، وصارت من عوامل الأفعال.
والثاني: أنها ظرف غير مضمن معنى الشرط، والناصب له قوله: «فولّوا» قاله أبو البقاء، وليس بشيء، لأنه متى زيدت عليها «ما» وجب تضمّنها معنى الشرط. وأصل «ولّوا» : وليوا، فاستثقلت الضمة على الياء، فحذفت، فالتقى ساكنان فحذف أولهما، وهو الياء وضم ما قبله ليجانس الضمير، فوزنه «فعوا» .
وقوله: «شَطْرَهُ» فيه القولان، وهما: إما المفعول به، وإما الظرفية كما تقدم.
فصل في الصلاة في المسجد الحرام
قال صاحب التهذيب: الجماعة إذا صلوا في المسجد الحرام يتسحب أن يقف الإمام خلف المقام، والقوم يقفون مستدبرين البيت، فإن كان بعضهم أقرب إلى البيت من الإمام جاز، فلو امتدّ الصف في المسجد، فإنه لا تصحّ صلاة من خرج عن مُحاذاة الكعبة.
وعند أبي حنيفة تصحّ؛ لأن عنده الجهة كافية. وحجة الشّافعي رَضِيَ اللهُ عَنْه:
القرآن والخبر والقياس.
أما القرآن فهو ظاهر هذه الآية، وذلك لأنا دللنا على أن المراد من شطر المسجد الحرام جانبه، وجانب الشيء هو الذي يكون محاذياً له، وواقعاً في سَمْته، والدليل عليه أنه لو كان كل واحد منهما إلى جانب المشرق، إلا أنه لا يكون وجه أحدهما محاذياً لوجه الآخرن لا يقال: إنه ولّى وجهه إلى جانب عمرو، فثبت دلالة الآية على أن استقبال عين الكعبة واجب.
وأما الخبر فما روينا أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - لما خرج من الكعبة ركع ركعتين في قِبْلة الكعبة، وقال: «هَذِهِ القِبْلَةُ»
وهذه الكلمة تفيد الحصر، فثبت أنه لا قبلة إلا عين الكعبة، وكذلك سائر الأخبار التي رَوَيْنَاها في أن القبلة هي الكعبة.
وأما القياس فهو أن مبالغة الرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في تعظيم الكعبة أمر بلغ التواتر، والصلاة من أعظم شعائر الدين، وتوقيف صحتها على استقبال عين الكعبة مما يوجب حصول مزيد شرف الكعبة، فوجب أن يكون مشروعاً، ولأن كون الكعبة قبلة أمر معلوم، وكون غيرها قبلة أمر مَشْكُوك، والأَوْلَى رعاية الاحتياط في الصلاة، فوجب توقيف صحة الصلاة على استقبال الكعبة.
واحتج ابو حنيفة بظاهر الآية؛ لأنه - تعالى - أوجب على المكلف أن يولّي وجهه إلى جانبه، فمن ولى وجهه إلى الجانب الذي حصلت الكعبة فيهن فقد أتى بما أمر به.