للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

سواء كان مستقبلاً الكعبة أم لا، فوجب أن يخرج على العهدة.

وروى أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْه - أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - قال: «مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ قِبْلَةٌ»

قال أصحاب الشافعي رَحِمَهُ اللهُ تعالى: ليس المراد من هذا الحديث أن كلّ ما يصدق عليه أنه بين مشرق ومغرب فهو قبلة؛ لأن جانب القُطب الشمالي يصدق عليه ذلك، وهو بالاتفاق ليس بقبلة، بل المراد أن الشيء الذي هو بين مشرق معين، وغرب معين قبلة، ونحن نحمل ذلك على الذي يكون بين المشرق الشتوي، وبين المغرب الصيفي، فإن ذلك قبلة، وذلك لأن المشرق الشتوي جنوبي متباعد عن خط الاستواء بمقدار الميل، والمغرب الصيفي شمالي متباعد عن خطّ الاستواء بمقدار الميل، والذي بينهما هو سَمْت «مكة» .

قالوا: فهذا الحديث بان يدلعلى مذهبنا أَوْلى بالدلالة على مذهبكم، أما فعل الضحابة فمن وجهين:

الأول: ان أهل مسجد «قبال» كانوا في صلاة الصبح ب «المدينة» مستقبلين لبيت المقدس، مستدبرين للكعبة؛ لأن «المدينة» بينهما.

فقيل لهم: ألا إن القبلة قد حوّلت إلى الكعبة، فاستداروا في أثناء الصَّلاة من غير طَلَبِ دلالةلة، ولم ينكر النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عليهم، وسمى مسجدهم ب «ذي القبلتين» ومقابلة العين من المدينة إلى «مكة» لا تعرف إلا بأدلّة هندسية يطول النظر فيها، فكيف أدركوها على البديهة في أثناء الصلاة وفي ظلمة الليل؟

الثاني: أن الناس من عهد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بنوا المساجد في جميع بلاد الإسلام، ولم يحضروا قط مهندساً عند تسوية المحراب، ومقابلة العين لا تدرك إلا بدقيق نظر الهندسة.

وأما القياس فمن وجوه:

الأول: لو كان استقبال عين الكعبة واجباً، إما علماً أو ظنّاً، وجب ألاّ تصح صلاة أحد قط؛ لأنه إذا كان مُحَاذاة الكعبة مقدار نيف وعشرين ذراعاً، فمن المعلوم أن أهل المشرق والمغرب يستحيل أن يقفوا في مُحَاذات هذا المقدار، بل المعلوم أن الذي يقع منهم في مُحَاذاة هذا القدر القليل قليل بالنسبة إلى كثير.

ومعلوم أن العبرة في أحكام الشرع بالغالب، والنادر ملحق به، فوجب ألَاّ تصح

<<  <  ج: ص:  >  >>