قال شهاب الدينِ:«وهَذَا الوجهُ الذي جعله هو الظاهر يعزيه الناس لأهل الزَّيْغ والبدع الدافعين لعموم الخلق لله تعالى، وقد أطنب مكي في ذلك، وأنكر على القائل به، ونسبه إلى ما ذكرت، فقال: وقد قال بعض أهل الزيغِ: إن» مَنْ «في موضع نصب اسم للمسرين والمجاهرين ليخرج الكلام عن عمومه، ويدفع عموم الخلق عن الله تعالى، ولو كان كما زعم لقال: ألا يعلم ما خلق؛ لأنه إنما يقدم ذكر ما تكن الصدور فهو في موضع ما، ولو أتت» مَا «في موضع» مَنْ «لكان فيه أيضاً بيان العموم أن اللَّه خالق كل شيء من أقوال الخلق وأفعالهم أسروها، أو أظهروها خيراً كانت، أو شراً، ويقوي ذلك {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} ولم يقل: عليم بالمسرين والجاهرين، ويكون» مَا «في موضع نصبٍ، وإنما تخرج الآية من هذا العموم إذا جعلت» ما «في موضع نصب اسماً للأناسِ المخاطبين قبل هذه الآيةِ، وقوله:{بِذَاتِ الصدور} يمنع من ذلك» انتهى.
قال شهاب الدين: ولا أدري كيف يلزم ما قاله مكي بالإعراب الذي ذكره، والمعنى الذي أبداه، وقد قال بهذا القول أعني الإعراب الثاني جماعة من المحققين، ولم يبالوا بما ذكره لعدم إفهام الآية إياه.
قال الزمخشريُّ بعد كلام ذكره: ثم أنكر أن يحيط علماً بالمضمر والمسر والمجهر «مَنْ خَلَقَ» الأشياء، وحاله أنه اللطيف الخبير المتصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن، ويجوز أن يكون «مَنْ خَلقَ» منصوباً بمعنى ألا يعلم مخلوقه وهذه حاله، ثم قال: فإن قلت: قدرت في «ألَا يَعْلَمُ» مفعولاً على معنى ألا يعلم ذلك المذكور ما أضمر في القلب، وأظهر باللسان من خلق، فهلَاّ جعلته مثل قولهم: هو يعطي ويمنع؟ وهلا كان المعنى: ألا يكون عالماً من هو خالق؛ لأن الخلق لا يصلحُ إلا مع العلم؟ قلت: أبت ذلك الحال التي هي قوله: {وَهُوَ اللطيف الخبير} لأنك لو قلت: ألا يكون عالماً من هو خالق وهو اللطيف الخبير لم يكن معنى صحيحاً؛ لأن «ألَا يَعْلَمُ» معتمد على الحال، والشيء لا يوقف بنفسه، فلا يقال: ألا يعلم وهو عالم، ولكن ألا يعلم كذا وهو عالم بكل شيء.
فصل في معنى الآية
معنى الآية: ألا يعلم السّر من خلق السر، يقول: أنا خلقت السر في القلب، أفلا أكون عالماً بما في قلوب العباد؟ .
قال أهل المعاني: إن شئت جعلته من أسماء الخالق - عزَّ وجلَّ - ويكون