المعنى: ألا يعلم الخالق خلقه، وإن شئت جعلته من أسماء المخلوق، والمعنى: ألا يعلم الله من خلق، ولا بد أن يكون الخالق عالماً بمن خلقه، وما يخلقه.
قال ابن المسيِّب: بينما رجل واقف بالليل في شجر كثير، وقد عصفت الريحُ، فوقع في نفس الرجل، أترى الله يعلم ما يسقط من هذا الورق؟ فنودي من جانب الغيضة بصوت عظيم:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطيف الخبير} ؟ .
وقال أبو إسحاق الإسفراييني: من أسماء صفات الذَّات ما هو للعلم، منها «العَلِيمُ» ، ومعناه: تعميم جميع المعلومات، ومنها «الخَبِيرُ» ويختص بأن يعلم ما يكون قبل أن يكون ومنها «الحَكِيمُ» ويختص بأن يعلم دقائق الأوصاف، ومنها «الشَّهِيدُ» ، ويختص بأن يعلم الغائِب والحاضر، ومعناه: ألَاّ يغيب عنه شيء، ومنها «الحافظ» ويختص بأنه لا ينسى شيئاً، ومنها «المُحصِي» ويختص بأنه لا يشغله الكثرة عن العلم مثل ضوء النور، واشتداد الريح، وتساقط الأوراق، فيعلم عند ذلك أجزاء الحركات في كل ورقة، وكيف لا يعلم وهو الذي يخلق؟ وقد قال:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطيف الخبير} .
فصل
لما قال تعالى:{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} ذكر الدليل على أنه عالم، فقال:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} الآية، والمعنى: أن من خلق لا بُدَّ وأن يكون عالماً بما يخلقه، لأن الخلق هو الإيجاد والتكوين على سبيل القصد، والقاصد إلى الشيء، لا بد وأن يكون عالماً بحقيقة ذلك المخلوق كيفية وكمية.
قال ابن الخطيب: فنقول: لو كان العبد موجداً لأفعال نفسه لكان عالماً بتفاصيلها، وهو غير عالم لأن التفاوت بين الحركةِ السريعةِ، والبطيئة إنما هو لتحلُّل السَّكناتِ، فالفاعل للحركة البطيئةِ قد يفعل حركة، وسكوناً، ولم يخطر بباله ذلك فَضْلاً عن كميته، ولأن المتحرك لا يعرف عدد أجزاء الحركات إلَاّ إذا عرف عدد الأحياز التي هي بين مبدأ المسافة ومنتهاها وذلك يتوقف على علمه بالجواهر المفردة التي تنتقل في تلك المسافة وعددها، وذلك غير معلومٍ، ولأنَّ النائم يتحرك مع عدم علمه؛ ولأن قوله:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} إنما يتصل بما قبله لو كان خالقاً لكل ما يفعلونه سرًّا وجهراً، وبما في الصدور.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد ألا يعلم من خلق الأجساد؟ .
فالجواب: أنه لا يجوز أن يكون المراد أن من فعل شيئاً يكون عالماً بشيء آخر.