والثاني: أن «دُونَ» على بابها من الظرف، وأنها صفة لمحذوف، تقديره: ومنا فريق أو فوج دون ذلك، وحذف الموصوف مع «مِنْ» التبعيضية يكثر، كقولهم: منَّا ظعنَ ومنَّا أقام، أي: منا فريقٌ ظعن، ومنا فريق أقام.
ومعنى الآية: ومنا صالحون دون أولئك في الصلاح.
قوله: {كُنَّا طَرَآئِقَ} ، فيه أوجه:
أحدها: أن التقدير: كنا ذوي طرائق، أي: ذوي مذاهب مختلفة.
الثاني: أن التقدير: كنا في اختلاف أحوالنا مثل الطرائقِ المختلفةِ.
الثالث: أن التقدير: كنا ذوي طرائقَ مختلفةٍ؛ كقوله: [الكامل]
٤٩٠٣ - ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..... كَمَا عَسَلَ الطَّريقَ الثَّعلَبُ
الرابع: أن التقدير: كانت طريقتنا طرائق قدداً، على حذف المضاف الذي هو الطرائقُ، وإقامة الضمير المضاف إليه مقامه، قاله الزمخشريُّ.
فقد جعل في ثلاثة أوجه مضافاً محذوفاً.
وقال: إنَّه قدر في الأول: «ذَوِي» .
وفي الثاني: مثل.
وفي الثالث: طرائق.
ورد عليه ابو حيَّان قوله: {كُنَّا طَرَآئِقَ} ؛ كقوله: [الكامل]
٤٩٠٤ - ... ... ... ... ... ... ... ... ... . ... كَمَا عَسَل الطَّريقَ الثَّعلبُ
بأن هذا لا يجوز إلا في ضرورة أو ندور، فلا يخرج القرآنُ عليه، يعني تعدى الفعل بنفسه إلى ظرف المكان المختص.
والقددُ: جمع قددة، والمراد بها الطريقةُ، وأصلها السيرة، يقال: قِدَّة فلان حسنة، أي: سيرته، وهو من قدَّ السير، أي: قطعه على استواء، فاستعير للسيرة المعتدلة.
قال الشاعر: [البسيط]
٤٩٠٥ - ألقَابِضُ البَاسِطُ الهَادِي بطَاعتِه ... في فِتْنَةِ النَّاس إذْ أهْواؤهُم قِدَدُ
وقال آخر: [البسيط]
٤٩٠٦ - جَمعْتُ بالرَّأي منهُمْ كُلَّ رَافضَة ... إذْ هُمْ طَرائقُ في أهوائِهمْ قِدَدُ