أحسنهما: الرفع بفعل مضمر على الاشتغال، وإنما كان أحسن لتقدم طالب الفعل وهو أداة الاستفهام.
والثاني: أن الرفع على الابتداءِ.
ولقائل أن يقول: يتعين هذا الرفع بإضمار فعل لمدرك آخر، وهو أنه قد عطف ب «أمْ» فعل، فإذا أضمرنا فعلاً رافعاً، كنا قد عطفنا جملة فعلية على مثلها، بخلاف رفعه بالابتداء فإنه - حينئذٍ - يخرجُ «أمْ» عن كونها عاطفة إلى كونها منقطعة إلا بتأويلٍ بعيدٍ، وهو أن الأصل: أشَرٌّ أريد بهم، أم خيرٌ، فوضع لقوله:«أمْ أراد بِهمْ» موضع خير.
وقوله:«أشَرٌّ» ساد مسدَّ مفعول «ندري» ، بمعنى أنه معلق به، وراعى معنى «مَنْ» في قوله: «بِهمْ ربُّهُمْ» فجمع.
فصل في معنى الآية
قال ابن زيد: معنى الآية: أنَّ إبليس قال: لا ندري هل أراد بهذا المنعِ أن ينزل على أهل الأرض عذاباً، أو يرسل إليهم رسولاً.
وقيل: هو من قول الجنِّ فيما بينهم من قبل أن يسمعوا قراءة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أي: لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض بإرسال محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إليهم يكذبونه ويهلكون بتكذيبه كما هلك من كذب من الأمم، أم أراد أن يؤمنوا فيهتدوا، فالشر والرشد على هذا الكفر والإيمان، وعلى هذا كان عندهم علم بمبعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولما سمعوا قراءته علموا أنهم منعوا من السماء حراسة للوحي.
وقيل: لا، بل هذا قول قالوه لقومهم بعد أن انصرفوا إليهم منذرين، أي: لما آمنوا أشفقوا أن لا يؤمن كثيرٌ من أهل الأرض فقالوا: إنَّا لا ندري، أيكفر أهل الأرض بما آمنا به أم يؤمنون؟ .
هذا من قول الجنِّ، أي: قال بعضهم لبعض لما دعوا أصحابهم إلى الإيمان بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: وإنا كنا قبل استماع القرآن منا الصالحون.
قوله:{وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} ، يحتمل وجهين:
أحدهما: يحتمل أن «دُونَ» بمعنى «غير» ، أي: ومنا غير الصالحين، أي: كافرون، وهو مبتدأ، وإنما فتح لإضافته إلى غير متمكن كقوله:{لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}[الأنعام: ٩٤] فيمن نصب على أحد الأقوال، وإلى هذا نحا الأخفش.